للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال أبو موسى وشريح وثابت. وروى عن زيد بن أسلم فى قوله تعالى «شَهادَةُ بَيْنِكُمْ» قال: كان ذلك فى رجل توفى وليس عنده أحد من أهل الاسلام وذلك فى أول الاسلام والأرض حرب والناس كفار الا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان الناس يتوارثون بالمدينة بالوصية. ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها.

وروى عن ابراهيم النخعى قال: ان هذه الآية منسوخة نسخها قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.

وروى أن المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها.

وعن عائشة قالت: المائدة من آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فاستحرموه.

وروى أبو اسحاق عن أبى ميسرة قال: فى المائدة ثمانى عشرة فريضة وليس فيها منسوخ.

والذى يقتضيه ظاهر الآية جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر، سواء كان فى الوصية بيع أو اقرار بدين، أو وصية بشئ، أو هبة أو صدقة، هذا كله يشتمل عليه اسم الوصية اذا عقده فى مرضه.

وعلى أن الله تعالى أجاز شهادتهما على الوصية فانه لم يخصص بها الوصية دون غيرها. وحين الوصية قد يكون اقرار بدين أو بمال عين وغيره ولم تفرق الآية بين شئ منه ..

ثم قد روى أن آية الدين من آخر ما نزل من القرآن.

وان كان قوم قد ذكروا أن المائدة من آخر ما نزل وليس يمتنع أن يريدوا بقولهم من آخر ما نزل من آخر سورة نزلت فى الجملة لا على أن كل آية منها من آخر ما نزل.

وان كان كذلك وأن آية الدين من آخر ما نزل. فان آية الدين لا محالة ناسخة لجواز شهادة أهل الذمة على الوصية فى السفر، لقول الله فيها «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ} (١)» وهم المسلمون لا محالة، لأن الخطاب فى أول الآية موجه للمؤمنين «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ٢ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» ولم يخصص بها حال الوصية دون غيرها فهى عامة فى جميع الأحوال.

وقال «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» وليس الكفار بمرضيين فى الشهادة على المسلمين.

فتضمنت آية الدين نسخ شهادة أهل الذمة على وصية المسلم.

ومن حيث دلت على جوازها على وصية المسلم فى السفر فهى دالة على جوازها على وصية الذمى.

ثم نسخ فيها جوازها على وصية المسلم بآية الدين وبقى حكمها على وصية الذمى فى السفر وغيره اذ كانت حالة السفر


(١) الآية رقم ٢٨٢ من سورة البقرة.
(٢) الآية رقم ٢٨٢ من سورة البقرة.