للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا خلاف فى أن الأربعة اذا كان بعضهم نساء لا يكتفى بهم، وأن أقل ما يجزئ خمسة، وهذا خلاف النص ولأن فى شهادتهم شبهة لتطرق الضلال اليهم قال الله تعالى (١) «أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» والحدود تدرأ بالشبهات.

ثم قال فى المغنى (٢): واذا تمت الشهادة بالزنا فصدقهم المشهود عليه بالزنا لم يسقط‍ الحد، خلافا لأبى حنيفة.

وان شهد شاهدان واعترف هو مرتين لم تكمل البينة ولم يجب الحد.

وان كملت البينة ثم مات الشهود أو غابوا جاز الحكم بها واقامة الحد، لأن كل شهادة جاز الحكم بها مع حضور الشهود، جاز مع غيبتهم كسائر الشهادات، واحتمال رجوعهم ليس بشبهة، كما لو حكم بشهادتهم.

وان شهدوا بزنا قديم أو أقربه وجب الحد لعموم الآية، ولأنه حق يثبت على الفور، فيثبت بالبينة بعد تطاول الزمان، كسائر الحقوق وان شهد أربعة بالزنا على امرأة فشهد ثقات من النساء أنها عذراء، فلا حد عليها، ولا حد على الشهود كذلك.

وبهذا قال الشعبى والثورى وأبو ثور وأصحاب الرأى.

والدليل عليه أن البكارة تثبت بشهادة النساء ووجودها يمنع من الزنا ظاهرا لأن الزنا لا يحصل بدون الايلاج فى الفرج، ولا يتصور ذلك مع بقاء البكارة لأن البكر هى التى لم توطأ فى قبلها.

واذا انتفى الزنا لم يجب الحد، كما لو قامت البينة بأن المشهود عليه بالزنا مجبوب.

وانما لم يجب الحد على الشهود، لاحتمال صدقهم.

فانه يحتمل أن يكون وطئها ثم عادت عذرتها، فيكون ذلك شبهة فى درء الحد عنهم غير موجب له عليها، فان الحد لا يجب بالشبهات، ويجب أن يكتفى بشهادة امرأة واحدة، لأن شهادتها مقبولة فيما لا يطلع عليه الرجال.

فأما ان شهدت بأنها رتقاء، أو ثبت أن الرجل المشهود عليه مجبوب، فينبغى أن يجب الحد على الشهود، لأنه يتيقن كذبهم فى شهادتهم بأمر لا يعلمه كثير من الناس، فوجب عليهم الحد.


(١) الآية رقم ٢٨٢ من سورة البقرة.
(٢) المغنى لابن قدامة المقدسى وبهامشه الشرح الكبير ج ١٠ ص ١٨٦ وما بعدها الطبعة السابقة.