للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الوصى، فلأجل أن يبطل دعوى اليتيم بانه لم يدفع المال اليه، كما أمر الله تعالى بالاشهاد على البيوع احتياطا للمتبايعين.

ووجه آخر فى الاشهاد: وهو أنه يظهر أداء أمانته وبراءة ساحته، كما أمر النبى صلّى الله عليه وسلّم الملتقط‍ بالاشهاد على اللقطة فى حديث عياض بن حماد المجاشعى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من وجد لقطة فليشهد ذوى عدل ولا يكتم ولا يغيب فأمره بالاشهاد لتظهر أمانته وتزول عنه التهمة.

وقد قال أبو حنيفة وأصحابه: اذا ادعى الوصى أنه دفع المال الى اليتيم يصدق.

وكذا اذا قال: انفقت عليه فى صغره صدق فى نفقة مثله.

وكذلك لو قال: هلك المال.

وقال مالك لا يصدق أنه دفع المال الى اليتيم.

وهو قول الشافعى لأن الذى زعم أنه دفع المال اليه غير الذى ائتمنه كالوكيل بدفع المال الى غيره لا يصدق اذا قال دفعت الا ببينة.

وقد قال الله تعالى: «فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ»}. ولو كان يصدق فى قوله دون بينة ما أمر الله بالاشهاد.

ولكن ليس فى الأمر بالاشهاد دليل على أنه غير أمين وغير مصدق فى قوله دفعت، لأن الاشهاد مندوب اليه فى الأمانات كهو فى المضمونات من الديون. فليس فى الأمر بالاشهاد دلالة على أنه غير مصدق اذا لم يشهد.

فان قيل: اذا كان مصدقا فى الرد فما معنى الاشهاد مع قبول قوله بغير بينة؟.

قيل فيه الاحتياط‍ للولى بظهور أمانته وزوال التهمة عنه وأن لا يدعى عليه اليتيم بعد ما قد ظهر رده.

وفيه الاحتياط‍ لليتيم فى ألا يدعى ما يظهر كذبه فيه وفيه أيضا سقوط‍ اليمين عن الوصى اذا كانت له بينة فى دفعه اليه.

ولو لم يشهد وادعى اليتيم أنه لم يدفعه كان القول قول الوصى مع يمينه واذا أشهد فلا يمين عليه.

فهذه المعانى كلها مضمنة بالاشهاد وان كان المال أمانة فى يده.

ويدل على أنه مصدق فيه بغير اشهاد اتفاق الجميع على أنه مأمور بحفظه وامساكه على وجه الأمانة حتى يوصله الى اليتيم فى وقت استحقاقه، فهو بمنزلة الودائع والمضاربات وما جرى مجراها من الأمانات.

فوجب أن يكون مصدقا على الرد، كما يصدق على رد الوديعة.