للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستدلوا لمالك فى اثباته بالمنقول من قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث عن عائشة رضى الله عنها عنه صلّى الله عليه وسلم «أعلنوا النكاح».

وبالمعقول وهو أن حرام هذا الفعل يكون سرا، فضده يكون جهرا، لتنتفى التهمة

والدى يظهر أن هذا نصب للخلاف فى غير محل النزاع، ويظهر ذلك من أجوبتهم عن هذا الاستدلال وغيره.

وذلك أن كلمتهم قاطبة فيه على القول بموجب دلائل الاعلان وادعاء العمل بها باشتراط‍ الاشهاد، اذ به يحصل الاعلان.

وكلام المبسوط‍ حيث قال: ولأن الشرط‍ لما كان الاظهار يعتبر فيه ما هو طريق الظهور شرعا، وذلك بشهادة الشاهدين، فانه مع شهادتهما لا يبقى سرا.

وقول الكرخى: نكاح السر ما لم يحضره شهود، فاذا حضروا فقد أعلن.

وانما الخلاف بعد ذلك فى أن الاعلان المشترط‍ هل يحصل بالاشهاد، وحتى لا يضر بعده توصيته للشهود بالكتمان اذ لا يضر بعد الاعلان التوصية بالكتمان، أو لا يحصل بمجرد الاشهاد حتى يضر قلنا:

نعم، وقالوا: لا.

ولو أعلن بدون الاشهاد لا يصح، لتخلف شرط‍ آخر، وهو الاشهاد عندنا.

وعنده يصح.

فالحاصل أن شرط‍ الاشهاد يحصل فى ضمنه الشرط‍ الآخر.

فكل اشهاد اعلان ولا ينعكس، كما لو أعلنوا بحضرة صبيان أو عبيد.

وجاء فى البدائع (١) أن الشهادة شرط‍ جواز النكاح لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا نكاح الا بشاهدين».

وعن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الزانية التى تنكح نفسها بغير بينة.

ولو لم تكن الشهادة شرطا لم تكن زانية بدونها.

ولأن الحاجة مست الى دفع تهمة الزنا عنها ولا تندفع الا بالشهود ولأنها لا تندفع الا بظهور النكاح واشتهاره ولا يشتهر الا بقول الشهود.

وبه تبين أن الشهادة فى النكاح انما شرطت فيه للحاجة الى دفع الجحود والانكار، لأن ذلك يندفع بالظهور والاشتهار


(١) بدائع الصنائع ج‍ ٢ ص ٢٥٢، ٢٥٣ الطبعة السابقة.