والدليل على أن البر غير متصور الوجود من هذه اليمين حقيقة أنه اذا كان عنده أن فى الكوز ماء وأن الشخص حى فيمينه تقع على الماء الذى كان فيه وقت اليمين، وعلى ازالة حياة قائمة وقعت يمينه عليه، وفى مسئلة القتل زالت تلك الحياة على وجه لا يتصور عودها، بخلاف ما اذا كان عالما بذلك، لأنه اذا كان عالما به فانما انعقد يمينه على ماء آخر يخلقه الله تعالى وعلى حياة أخرى يحدثها الله تعالى الا أن ذلك على نقض العادة فكان العجز عن تحقيق البر ثابتا عادة فيحنث. بخلاف قوله والله لأمسن السماء ونحوه، لأن هناك البر متصور الوجود فى نفسه حقيقة بأن يقدره الله تعالى كما أقدر الملائكة وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام الا أنه عاجز عن ذلك عادة فلتصور وجوده حقيقة انعقدت وللعجز عن تحقيقه عادة حنث ووجبت الكفارة.
وأما الكلام مع زفر فى اليمين على مس السماء ونحوه فهو يقول المستحيل عادة يلحق بالمستحيل حقيقة وفى المستحيل حقيقة لا تنعقد كذا فى المستحيل عادة.
ويدل لنا أن اعتبار الحقيقة والعادة واجب ما أمكن، وفيما قلناه اعتبار الحقيقة والعادة جميعا، وفيما قاله اعتبار العادة واهدار الحقيقة، فكان ما قلناه أولى.
ولو قال والله لأمسن السماء اليوم يحنث فى آخر اليوم عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.
وفى قياس قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يحنث فى الحال.
وقد روى عن أبى يوسف ما يدل عليه فانه قال فى رجل حلف ليشربن ماء دجلة كله اليوم قال أبو حنيفة لا يحنث حتى يمضى.
وقال أبو يوسف يحنث الساعة، فان قال فى يمينه غدا لم يحنث حتى يمضى اليوم فى قول أبى حنيفة، لأن الانعقاد يتعلق بآخر اليوم عنده.
فأما أبو يوسف فقال يحنث فى أول جزء من أجزاء الغد، لأن شرط البر غير منتظر فكأنه قال لها أنت طالق فى غد، هذا اذا لم يكن المحلوف عليه متصور الوجود حقيقة أو عادة وقت اليمين حتى انعقدت اليمين بلا خلاف ثم فات فالحلف لا يخلو أما أن يكون مطلقا عن الوقت وأما أن يكون مؤقتا بوقت.
وكل ذلك لا يخلو اما أن يكون فى الاثبات أو فى النفى.