للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجب أو أن أصلى ركعتين يوم كذا، أو أن أتصدق بدرهم فى يوم كذا، فوقت الوجوب فى الصدقة هو وقت وجود النذور فى قولهم جميعا حتى يجوز تقديمها على الوقت بلا خلاف بين أصحابنا، واختلف فى الصوم والصلاة.

قال محمد رحمه الله تعالى: وقت الوجوب هو وقت مجئ الوقت حتى لا يجوز تقديمه على الوقت، وذلك لأن النذر ايجاب ما شرع فى الوقت نفلا، ألا ترى أن النذر بما ليس بمشروع نفلا وفى وقت لا يتصور كصوم الليل وغيره لا يصح، والناذر أوجب على نفسه الصوم فى وقت مخصوص فلا يجب عليه قبل مجئ ذلك الوقت بخلاف الصدقة لأنها عبادة مالية لا تعلق لها بالوقت بل بالمال فكان ذكر الوقت فيه لغوا بخلاف العبادة البدنية.

وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: وقت الوجوب فيهما وقت وجود النذر، حتى يجوز تقديمه على الوقت، لأن الوجوب ثابت قبل الوقت المضاف اليه النذر فكان الأداء قبل الوقت المذكور أداء بعد الوجوب فيجوز والدليل على تحقيق الوجوب قبل الوقت المعين وجهان.

أحدهما أن العبادات واجبة على الدوام بشرط‍ الامكان وانتفاء الحرج بالنصوص والمعقول، أما النصوص فقول الله عز وجل:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ» (١) وقوله تعالى: «وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)} (٢) ونحو ذلك، وأما المعقول فهو أن العبادة ليست الا خدمة المولى وخدمة المولى على العبد مستحقة والتبرع من العبد على المولى محال والعبودية دائمة فكان وجوب العبادة عليه دائما ولأن العبادات وجبت شكرا للنعمة والنعمة دائمة فيجب أن يكون شكرها دائما حسب دوام النعمة الا أن الشرع رخص للعبد تركها فى بعض الأوقات فاذا نذر فقد اختار العزيمة وترك الرخصة فيعود حكم العزيمة كالمسافر اذا اختار صوم رمضان فصام سقط‍ عنه الغرض لأن الواجب عليه هو الصوم الا أنه رخص له تركه لعذر السفر، فاذا صام فقد اختار العزيمة وترك الرخصة فعاد حكم العزيمة لهذا المعنى كان المشروع فى نفل العبادة اللزوم فى الحقيقة بما ذكرنا من الدلائل بالمشروع الا أنه لما شرع فقد اختار العزيمة وترك الرخص فعاد حكم العزيمة كذا فى النذر.

والثانى أنه وجه سبب الوجوب للحال وهو النذر وأنما لأجل ترفيه يترفه به فى التأخير، فاذا عجل فقد أحسن فى اسقاط‍ الأجل فيجوز كما فى الاقامة فى حق المسافر لصوم رمضان، وهذا لأن الصيغة صيغة ايجاب - أعنى قوله لله على أن أصوم - والأصل فى كل لفظ‍ موجود فى زمان اعتباره فيه فيما يقتضيه فى وضع


(١) الآية رقم ٧٧ من سورة الحج.
(٢) الآية رقم ٣٦ من سورة النساء.