وروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى مثل قول أبى يوسف.
وقال عامة مشايخنا بما وراء النهر أنه على التراخى، وتفسير الواجب على التراخى عندهم أنه يجب فى جزء من عمره غير معين واليه خيار التعيين، ففى أى وقت شرع فيه تعين ذلك الوقت للوجوب وان لم يشرع يتضيق الوجوب فى آخر عمره اذا بقى من آخر عمره قدر ما يمكنه الأداء فيه بغالب ظنه، حتى لو مات قبل الأداء يأثم بتركه وهو الصحيح، لأن الأمر بالفعل مطلق عن الوقت فلا يجوز تقييده الا بدليل، فكذلك النذر، لأن النصوص المقتضية لوجوب الوفاء بالنذر مطلقة عن الوقت، فلا يجوز تقييدها الا بدليل، وكذا سبب الوجوب وهو النذر وجد مطلقا عن الوقت والحكم يثبت على وفق السبب فيجب عليه أن يصوم شهرا من عمره غير عين، وخيار التعيين اليه الى أن يغلب على ظنه الفوت لو لم يصم فيضيق الوقت حينئذ.
وكذا حكم الاعتكاف المضاف الى وقت مبهم بأن قال: لله على أن أعتكف شهرا ولا نية له، وهذا بخلاف اليمين بالكلام بأن قال والله لا أكلم فلانا شهرا فانه يتعين الشهر الذى يلى اليمين.
وكذا الاجارة بأن أجر داره أو عبده شهرا فانه يتعين الشهر الذى يلى العقد، لأنه أضاف النذر الى شهر منكر، والصرف الى الشهر الذى يلى النذر يعين المنكر ولا يجوز تعيين المنكر الا بدليل هو الأصل، وقد قام دليل التعيين فى باب اليمين والاجارة لأن غرض الحالف منع نفسه عن الكلام، والانسان انما يمنع نفسه عن الكلام مع غيره لاهانته والاستخفاف به لداع يدعوه الى ذلك الحال، والاجارة تنعقد للحاجة الى الانتفاع بالمستأجر والحاجة قائمة عقيب العقد فيتعين الزمان المتعقب للعقد لثبوت حكم الاجارة ويجوز تعيين المبهم عند قيام الدليل المعين.
ولو نوى شهرا معينا صحت نيته، لأنه نوى ما يحتمله لفظه، وفيه تشديد عليه، ثم فى النذر المضاف الى وقت مبهم اذا عين شهرا للصوم فهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق، بخلاف الاعتكاف فانه اذا عين شهرا للاعتكاف فلابد من أن يعتكف متتابعا فى النهار والليالى جميعا، لأن الايجاب فى النوعين حصل مطلقا عن صفة التتابع الا أن فى ذات الاعتكاف ما يوجب التتابع، وهو كونه لبثا على الدوام، فكان مبناه على الاتصال والليالى والنهر قابلة لذلك فلابد من التتابع ومبنى الصوم ليس على التتابع بل على التفريق لما بين كل يومين ما لا يصلح له وهو الليل فبقى له الخيار.