للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول الخامس: التفرقة بين من يقوم بالليل فيستحب له ذلك للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له واختاره ابن العربى وقال: لا يضطجع بعد ركعتى الفجر لانتظار الصلاة الا أن يكون قام الليل فيضطجع استجماما لصلاة الصبح فلا بأس. ويشهد لهذا ما رواه الطبرانى وعبد الرازق عن عائشة أنها كانت تقول أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليله فيستريح وهذا لا تقوم به حجة.

أما أولا فلأن فى اسناده راويا لم يسم كما قال الحافظ‍ فى الفتح وأما ثانيا فلأن ذلك منها ظن وتخمين وليس بحجة وقد روت أنه يفعله والحجة فى فعله وقد ثبت أمره به فتأكد بذلك مشروعيته.

القول السادس: أن الاضطجاع ليس مقصودا لذاته وانما المقصود الفصل بين ركعتى الفجر وبين الفريضة روى ذلك البيهقى عن الشافعى وفيه أن الفصل يحصل بالقعود والتحول والتحدث وليس بمختص بالاضطجاع.

ثم قال الشوكانى: اذا عرفت الكلام فى الاضطجاع تبين لك مشروعيته وعلمت بما أسلفنا لك من أن تركه صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يعارض الأمر للأمة الخاص بهم ولاح لك قوة القول بالوجوب.

والتقييد فى الحديث بأن الاضطجاع كان على الشق الأيمن يشعر بأن حصول المشروع لا يكون الا بذلك لا بالاضطجاع على الجانب الأيسر، ولا شك فى ذلك مع القدرة وأما مع التعذر فهل يحصل المشروع بالاضطجاع على الأيسر أم لا؟ يشير الى الاضطجاع على الشق الأيمن جزم بالثانى ابن حزم وهو الظاهر.

والحكمة فى ذلك أن القلب معلق فى الجانب الأيسر فاذا اضطجع على الجانب الأيسر غلبه النوم، واذا اضطجع على الأيمن قلق لقلق القلب وطلبه لمستقره.

وفى هامش البحر الزخار (١): أن عائشة رضى الله تعالى عنها: قالت: كان النبى صلى الله عليه وآله وسلّم يصلى من الليل احدى عشرة ركعة، فاذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقة الأيمن حتى يجئ المؤذن فيؤذن وجاء أيضا فى موضع (٢) آخر: أن المأثور عن النبى صلى الله عليه وآله وسلّم: أنه كان يصلى ركعتى الفجر فى بيته ثم يضطجع أو يحتبى حتى يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيخرج فيصلى الفريضة ويستغنى بها عن ركعتى التحية.


(١) كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج ٢ ص ٣٧ وهامش ص ٤٠ من البحر الزخار طبع مطبعة السادة بمصر سنة ١٣٦٧ هـ‍، سنة ١٩٤٨ م الطبعة الأولى.
(٢) المرجع السابق ج ٢ ص ٣٧ الطبعة السابقة.