للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو قال المجنى عليه: اقطع المفصل واترك ما يبس أو اكسر القدر المكسور واترك الباقى لم يكن له ذلك لأن الفعل فى نفسه ما وقع موجبا للقود فصار كما لو شجه منقله فقال أشجه موضحة وأترك الزيادة. لهما فى الخلافية أى فيما اذا شجه رجل موضحة فذهبت عيناه قالا: فى الموضحة القصاص والدية فى العينين - أن الفعل فى محلين فيكون جنايتين مبتدأتين فالشبهة فى احداهما لا تتعدى الى الأخرى كمن رمى الى رجل عمدا فأصابه ونفذ منه الى غيره فقتله يجب القود فى الأول والدية فى الثانى.

وله أن الجراحة الأولى سارية والجزاء بالمثل، وليس فى وسعه السارى فيجب المال، ولأن الفعل واحد حقيقة وهو الحركة القائمة وكذا المحل متحد من وجه لاتصال أحدهما بالآخر فأورثت نهايته شبهة الخطأ فى البداية بخلاف النفسين، لأن أحدهما ليس من سراية صاحبه وبخلاف ما اذا وقع السكين على الأصبع لأنه ليس فعلا مقصودا.

يقول صاحب الكفاية: ان أبا حنيفة يقول: هذه جناية وسرايتها، وقد تعذر ايجاب القصاص باعتبار سرايتها فلا يجب القصاص باعتبار أصلها، كما لو قطع مفصلا فشلت الأصبع وهذا لأن السراية أثر الجناية وهى مع أصل الجناية فى حكم فعل واحد.

والدليل على أنه سراية أن فعله أثر فى نفس واحدة والسراية عبارة عن آلام متعاقبة من الجناية على البدن وذلك يتحقق فى نفس واحدة فى موضعين منها، كما يتحقق فى الطرف مع أصل النفس اذا مات من الجناية بخلاف النفسين، فان الفعل فى النفس الثانية مباشرة على حدة ليس بسراية الجناية الأولى اذ لا يتصور السراية من نفس الى نفس فلابد من أن يجعل ذلك فى حكم فعل على حدة وهو خطأ ثم يعتبر حكم كل فعل بنفسه، أو نقول ان ذهاب البصر هنا حصل بطريق التسبيب والفعل بقى شجه على ما كانت.

والأصل فى سراية الأفعال اذا حدثت لم يبق الأول كالقطع اذا سرى الى النفس صار قتلا ولم يبق قطعا وههنا الشجة لا تنعدم بذهاب البصر فكان الفعل الأول سببا الى فوات البصر بمنزلة حفر البئر، والسبب لا يوجب القصاص (١).

واذا قطع أصبعا فشلت الى جنبها أصبع أخرى فلا قصاص فى شئ من ذلك عند أبى حنيفة.

وقالا، هما وزفر والحسن يقتص من الأولى وفى الثانية أرشها.


(١) المرجع السابق ج ٩ ص ٢٢٦ الطبعة السابقة.