للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمذكور من السمع والبصر والشم والسن الا صاحبه ويجوز أن ينتفع باليد والرجل غير صاحبهما فكان الايجاب فى العضو المنتفع به فى حقه على الخصوص ايجابا فيما هو منتفع به فى حقه وفى حق غيره من طريق الاولى، فكان ذكر هذه الأعضاء ذكرا لليد والرجل بطريق الدلالة كما فى التأفف مع الضرب فى الشتم.

على أن فى كتابنا حكم ما دون النفس، قال الله سبحانه وتعالى: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ.» (١) وقال عز شأنه:

{وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ» (٢) وأحق ما يعمل فيه بهاتين الآيتين ما دون النفس وقال تبارك وتعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها}. (٣) ونحو ذلك من الآيات.

وأما المعقول فهو أن ما دون النفس له حكم الأموال لانه خلق وقاية للنفس كالأموال، ألا ترى أنه يستوفى فى الحل والحرم كما يستوفى المال، وكذا الوصى يلى استيفاء ما دون النفس للصغير كما يلى استيفاء ماله فتعتبر فيه المماثلة كما تعتبر فى اتلاف الأموال.

ومن شروط‍ ايجاب القصاص فيما دون النفس أن يكون المثل ممكن الاستيفاء، لان استيفاء المثل بدون امكان استيفائه ممتنع فيمتنع وجوب الاستيفاء ضرورة.

ويبتنى على هذين الأصلين مسائل:

لا يؤخذ شئ من الأصل الا بمثله فلا تؤخذ اليد الا باليد، لان غير اليد ليس من جنسها فلم يكن مثلا لها اذ التجانس شرط‍ للماثلة.

وكذا الرجل والاصبع والعين والأنف ونحوها لما قلنا.

وكذا الابهام لا تؤخذ الا بالابهام ولا السبابة الا بالسبابة، ولا الوسطى الا بالوسطى ولا البنصر الا بالبنصر ولا الخنصر الا بالخنصر، لان منافع الاصابع مختلفة فكانت كالأجناس المختلفة.

وكذلك لا تؤخذ يد اليمين الا باليمين ولا اليسرى الا باليسرى لان لليمين فضلا على اليسار ولذلك سميت يمينا.

وكذلك الرجل وكذلك أصابع اليدين والرجلين لا تؤخذ اليمين منها الا باليمين ولا اليسرى الا باليسرى.

وكذلك الأعين وكذلك الأسنان لا تؤخذ السنية الا بالسنية ولا الناب الا بالناب ولا الضرس الا بالضرس لاختلاف منافعها،


(١) الآية رقم ١٩٤ من سورة البقرة.
(٢) الآية رقم ١٢٦ من سورة النحل.
(٣) الآية رقم ٤٠ من سورة غافر.