للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من قيمة فى المتقوم ومثل فى المثلى لحق الغائب سواء قدر على البدل أم كان عاجزا عنه، لأن الذمم تقوم مقام الأعيان.

ولو وجد المضطر طعام حاضر مضطر اليه لم يلزمه بذله لغيره ان لم يفضل عنه. بل هو أحق به لحديث: أبدأ بنفسك، وابقاء لمهجته، نعم ان كان غير المالك نبيا وجب على المالك أن يبذله له وان لم يطلبه. فان آثر على نفسه فى هذه الحالة مضطرا مسلما معصوما جاز بل يسن وان كان أولى به كما فى الروضة لقول الله تعالى، «وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ.» (١)

ولو وجد المضطر طعام حاضر مضطر له لزم غير المضطر أن يطعم مضطرا معصموما مسلما كان أو ذميا أو نحوه كمعاهد ولو كان يحتاج اليه فى ثانى الحال على الأصح للضرورة الناجزة بخلاف غير المعصوم كالحربى، فان امتنع هو أو وليه غير مضطر فى الحال من بذله بعض لمضطر محترم فللمضطر أن يقهره على أخذه وان احتاج اليه المانع فى المستقبل وان قتله، ويجب قتاله كالصائل، بل أولى (٢).

ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره الغائب أو وجد مضطر محرم ميتة وصيدا مأكولا غير مذبوح ولم يجد حلالا يذبحه فالمذهب يجب أكلها.

أما فى الأولى: فلأن اباحة الميتة للمضطر بالنص واباحة مال الغير بالاجتهاد والنص أقوى ولأن حق الله تعالى أوسع.

وأما فى الثانية: فلأن فيها تحريم ذبح الصيد وتحريم أكله وفى الميتة تحريم واحد، وما خف تحريمه أولى.

والرأى الثانى: يأكل الطعام والصيد.

والرأى الثالث: التخيير بين الاثنين فى المسألتين لأن الأول نجس لا ضمان فيه والثانى طاهر فيه الضمان، أما اذا كان مالك الطعام حاضرا وامتنع من البيع أصلا أو امتنع من البيع الا بأكثر مما يتغابن به فانه يجب عليه أن يأكل الميتة فى الأولى ويجوز له فى الثانية، وسن له أن يشترى بالزيادة ان قدر على ذلك. ومثل الميتة فى ذلك صيد الحرم - كما فى الكفاية - فان ذبح المحرم الصيد أو ذبح الحلال صيد الحرم صار ميتة فيتخير المضطر بينه وبين الميتة لأن كلا منهما ميتة ولا مرجح، ولا قيمة للحمه كسائر الميتات. وفى الصيد وطعام الغير وجوه أحدها - وهو الظاهر - يتعين الصيد لبناء حق الله تعالى على المسامحة، ثانيها يتعين


(١) الآية رقم ٩ من سورة الحشر.
(٢) مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ‍ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج ٤ ص ٢٨٢، وما بعدها الى ص ٢٨٤ طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣٠٦ هـ‍.