وحاصل هذا القول: أن المأمور به ان كان فواته فى وقته لا لعذر، ففعله بعد الوقت يكون قضاء.
وان كان لعذر لم يكن فعله بعد الوقت قضاء كالحائض والمريض والمسافر يفوتهم صوم رمضان لعذر الحيض والسفر والمرض فيستدركونه بعد، فلا يكون ما يفعلونه بعد رمضان قضاء، وهذا فاسد لوجوه ثلاثة:
أحداها ما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت: كنا نحيض على عهد رسول صلّى الله عليه وسلّم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة، والآمر بالقضاء انما هو النبى صلّى الله عليه وسلّم.
ثانيها: أنه لا خلاف بين أهل العلم فى أن الحائض والمريض والمسافر ينوون القضاء.
وتقريره ان المذكورين اذا صاموا بعد زوال عذرهم تجب عليهم نية القضاء بالاجماع، وكل ما وجبت فيه نية القضاء فهو قضاء اذ لو كان أداء لم يجز أن ينووا القضاء، لأنهم حينئذ ينوون غير الواجب عليهم، فلا يكون لهم عملا بقوله صلى الله عليه وسلم «وإنما لكل امرئ ما نوى».
ثالثها: أن العبادة متى أمر بها فى وقت مخصوص فلم يجب فعلها فيه لا يجب بعده.
ولا يمتنع وجوب العبادة فى الذمة بناء على وجود السبب مع تعذر فعلها كما فى النائم والناسى.
وكما فى المحدث تجب عليه الصلاة مع تعذر فعلها منه فى الحال.
وديون الآدميين تجب على المعسر مع عجزه عن ادائها.
وحاصل هذا أن ثبوت العبادة فى الذمة غير ممتنع.
كما أن ثبوت دين الآدمى فى الذمة غير ممتنع.
واذا كان ثبوتها فى الذمة جائزا كان فعلها خارج وقتها بعد ثبوتها فى الذمة قضاء كدين الآدمى.
ومنشأ الخلاف أن شرط القضاء هل هو تقدم وجوب الفعل أو تقدم سببه فقط؟
فعلى الاول لا يكون فعل الحائض للصوم بعد رمضان قضاء، لأنه لم يكن واجبا عليها، فانتفاء القضاء لانتفاء شرطه.
وعلى الثانى يكون قضاء، لأن حقيقة الوجوب وان انتفت لكن سبب الوجوب موجود، وهو اهليتها للتكليف.
ثم تقدم السبب قد يكون مع الاثم بالترك كالتارك المتعمد المتمكن من الفعل، وقد لا يكون مع الاثم كالنائم والحائض.
ثم المزيل للاثم قد يكون من جهة العبد كالسفر وقد لا يكون كالحيض.
ثم قد يصح معه الاداء كالمرض وقد لا يصح، اما شرعا كالحيض او عقلا كالنوم.
قال المحقق الطوفى: التحقيق أن التزام العبادة واجب حال العذر عملا بالخطاب السابق.
وايقاعها حينئذ غير واجب لأجل العذر.