وكذلك يجوز عنده أن يؤجر واحد العين لاثنين بعقد واحد لأن المنافع تخرج من يده جملة واحدة ثم يثبت الشيوع نتيجة لاختلاف المستأجرين وذلك ما يزول بالتهايؤ (١).
ومما خرج على عدم جواز الاجارة فى الشائع عند أبى حنيفة ما اذا استأجر شخص آخر على العمل فى شئ هو فيه شريك، كما اذا كان لاثنين متاع أو طعام مشترك غير مقسوم فاستأجر أحدهما صاحبه على أن يحمل نصيبه الى مكان معلوم فحمل الطعام أو المتاع كله الى ذلك المكان، فعلى رأى أبى حنيفة لا تجوز هذه الاجارة ولا يستحق أجرا على هذا الحمل، لأن المنفعة فى هذه الحال غير مقدورة الاستيفاء لتعذر تسليم الشائع بنفسه ومحل الاجارة شائع فلم تكن المنفعة فيه مقدورة التسليم، وانما لم يجب أجر المثل لأن وجوب أجر المثل يقف على استيفاء المعقود عليه ولم يوجد بخلاف ما اذا استأجر رجل بيتا ليضع فيه طعاما مشتركا بينه وبين صاحب البيت أو سفينة لينقل بها متاعا مشتركا بينه وبين صاحب السفينة فوضع المتاع فى البيت أو نقله بالسفينة فان الاجارة هنا جائزة لأن التسليم فيها يتحقق بتسليم البيت أو السفينة ولو لم يتم وضع المتاع أو نقله.
أما فى مسألة الحمل فان التسليم الموجب للأجر لا يتحقق بدون العمل وهو الحمل والمشاع غير مقدور الحمل بنفسه.
وعبارة البدائع صريحة فى أن هذا الحكم محل اتفاق بين أبى حنيفة وصاحبيه اذ يقول ان هذه الاجارة غير جائزة عند أصحابنا.
ثم ذكر أن الأصل فى ذلك أن كل موضع لا يستحق فيه الأجر الا بالعمل لا تجوز فيه الاجارة على العمل فى الحمل مشتركا وما يستحق فيه الأجر من غير عمل تجوز الاجارة فيه لوضع العين المشتركة فى المكان المستأجر.
وفقه هذا الأصل ما ذكرناه من أن ما لا يجب فيه الأجر الا بالعمل لا بد فيه من امكان ايفاء العمل ولا تمكين فى العين المشتركة فلا يكون المعقود عليه مقدور التسليم فلا يكون مقدور الاستيفاء فلم تجز الاجارة وما لا يقف وجوب الأجر فيه على العمل يكون المعقود عليه مقدور التسليم والاستيفاء بدونه فتجوز فيه الاجارة، وعلى هذا يخرج ما اذا استأجر رجل آخر على أن يحمل له طعاما بعينه الى مكان مخصوص بمقدار معين منه فانه لا يصح وهى المسألة المعروفة بقفيز الطحان المصورة فى الاجارة على طحن مقدار من البر بقفيز منه.
ذلك لأن الاجارة لو صحت لفسدت من حيث صحت اذ الأجير فى هذه الحال يصير شريكا بأول جزء من العمل بقدر أجره فيكون عمله بعد ذلك عملا فيما هو شريك فيه، وذلك لا يجوز لما تقدم ولكن فى هذه الحال يكون للأجير أجر مثله لأن المؤجر قد استوفى المنفعة بعقد فاسد فيجب عليه أجر المثل لا يتجاوز به قيمة الأجر المتفق عليه لأن الواجب فى الاجارة الفاسدة