للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجله أو حلوله وبناء على ما ذكر لا يصلح النجس أجرا وكذلك المتنجس الذى لا يقبل التطهير ولا مالا ينتفع به انتفاعا مباحا شرعا كآلة اللهو ولا البعير الشارد لعدم القدرة على تسليمه وللاكتفاء فيه بالعلم الذى لا يكون معه نزاع عادة.

وأجاز مالك أن يؤجر الخياط‍ على خياطة ما يحتاج اليه المؤاجر هو وأهله من الثياب فى السنة وان يؤجر الخباز على خبز ما يحتاج اليه المؤاجر من الخبز فيها اذا ما عرف حال المؤاجر وما يحتاج اليه من ذلك مع جهالة المنفعة المعقود عليها وذلك لجريان العرف بذلك ولهذا أجيزت اجارة الظئر بنفقتها مع ما فى النفقة من الجهالة لأنها جهالة لا تؤدى الى النزاع، وقال أصبغ فى استئجار العامل للعمل فى الكرم على النصف مما يخرج منه لا بأس فيه ومثله الأجير يستأجر لحراسة الزرع وله بعضه لتعارف الناس ذلك ولذا قال سحنون: لو حملت أكثر الاجارات على القياس لبطلت وأصاب الناس حرج (١)، ولذلك جاز كراء دابة بعلفها أو بطعام صاحبها كما جاز كراء دابة بدراهم معلومة على أن يكون طعام المكترى على صاحبها مدة ركوبه (٢).

واذا كانت الأجرة دينا تشغل به ذمة المستأجر بالعقد كدينار وجب تعجيلها ان شرط‍ فى العقد تعجيلها أو جرى العرف بذلك سواء أكانت المنفعة المعقود عليها دينا فى الذمة كحمل متاع الى جهة معينة واصلاح آلة أم لم تكن دينا كسكنى دار معينة غير أنه اذا كانت المنفعة المعقود عليها دينا وجب تعجيل الأجرة لحق الله تعالى حتى لا يترتب على ذلك ابتداء دين بدين وهو منهى عنه لأنه ان لم تعجل كانت دينا فى مقابلة منفعة هى دين أيضا فى ذمة الأجير ولكون التعجيل فى هذه الحال حقا لله تعالى لا يجوز التنازل عنه ممن يكون منه التنازل وتفسد الاجارة اذا لم تعجل الأجرة، أما اذا لم تكن المنفعة دينا فان تعجيل الأجرة فى هذه الحال يجب حقا لمستحقها تنفيذا للشرط‍ الصريح أو المعروف عرفا وله حينئذ أن يتنازل عنه ولا يترتب على ذلك فساد الاجارة كمن يستأجر دارا من آخر شهرا ليسكنها بثلاثة دنانير مثلا فلا يجب لصحتها عندئذ تعجيل الأجرة واذا شرط‍ التعجيل أو كان ذلك مقتضى العرف وجب على المستأجر التعجيل لذلك بخلاف ما اذا استأجر شخصا عاملا ليصلح له آلة بدينار فان المنفعة فى هذا المثال دين تشغل به ذمة العامل والأجر كذلك دين تشغل به ذمة المستأجر فيجب لكى يتجنب ابتداء الدين بالدين اشتراط‍ تعجيل الأجر أو جريان العرف بذلك ثم تعجيله فعلا مراعاة لحق الله تعالى حتى اذا لم يشرط‍ التعجيل ولم يكن عرف فسدت الاجارة وان عجل فعلا ذلك لأن الاجارة حين تنعقد فى هذه الحال تنعقد على ابتداء دين بدين اذ لا يقتضى عقد الاجارة بحسب طبيعته الا تأخير الأجر الى وقت العمل وذلك ما يصير به الأجر دينا ويلاحظ‍ أن ذلك مشروط‍ بألا تكون المنفعة قد شرع فيها أو لم يتأخر الشروع فيها الى ثلاثة أيام والا كانت الاجارة صحيحة حينئذ لعدم ترتب


(١) الشرح الصغير للدردير ج‍ ٢ ص ٢٣٢ (بلغة السالك). والمواق ج‍ ٥ ص ٣٩٠ هامش الحطاب.
(٢) الشرح الكبير ج‍ ٤ ص ٣٥.