المحظور وهو ابتداء الدين بالدين اذ تعد المنفعة حينئذ مقبوضة جميعها بناء على ما ذهبوا اليه من أن قبض الأوائل يعد قبضا للأواخر وقيل لا بد من التعجيل أيضا فى هذه الحال وذلك على رأى من يرى أن قبض الأوائل لا يعد قبضا للأواخر ولا يكفى فى تعجيل الأجرة عند وجوبه تعجيل بعضها بل لا بد من تعجيلها كلها الا عند الضرورة فعند ذلك يكفى تعجيل البعض ومثلوا لذلك بعقد كراء الحاج مع جمال فى مصر فى رمضان أو أوائل شوال على أن يحمله الى مكة فانه يكفى فى هذه الحال تعجيل اليسير من الأجرة لأن تعجيلها كلها يؤدى الى ضياع الأموال بسبب هرب الجمالين اذا قبضوا الأجر كله فان لم تكن المنفعة دينا سواء شرع فيها أم لا أو كانت دينا وقد شرع فيها فلا يجب تعجيل الأجر بل يجوز تأخيره، وأما اذا كانت الأجرة عينا معينة كهذه الدابة أو هذا الثوب ونحو ذلك فانه يجب لصحة الاجارة فى هذه الحال اشتراط تعجيلها فى العقد أو جريان العرف بذلك حتى لا يترتب على العقد بدون ذلك بيع معين يتأخر قبضه وذلك غير جائز اذ أن الأجرة فى هذه الحال هى عين قوبلت بمنفعة وقد جعلت عوضا عنها وبها تملكها المؤجر فتكون كمبيع معين لا يقبل التأخير فى قبضه فان لم يكن شرط بالتعجيل ولم يكن العرف قد جرى بذلك كانت الاجارة فاسدة، ولو عجلت الأجرة فعلا لأن عقد الاجارة بحسب وضعه وطبيعته لا ينعقد موجبا لقبض الأجرة فى الحال وانما يقتضى تأخير قبضها الى استيفاء المنفعة التى قوبلت بها ولا يلزم المستأجر فيه من الأجر الا بقدر ما انتفع ألا ترى أنه اذا حال بين المستأجر وبين انتفاعه فى أثناء مدة الاجارة مانع لم يلزم من الأجر الا بقدر انتفاعه وذلك بخلاف عقد البيع فانه يوجب نقد الثمن فى الحال اذا لم يشترط تأجيله لما يترتب عليه من قبض المبيع حتى تتحقق المعادلة بين البدلين فى القبض أما الركوب والسكنى مثلا فى عقد الاجارة فلا يقبضان دفعة واحدة فلم يجب لذلك قبض بدلهما دفعة واحدة فى الحال وبذلك يتضح أن عقد الاجارة بدون اشتراط تعجيل نصا أو عرفا ينعقد على تأخير قبض ما يجب قبضه فى الحال وهو الأجرة المعينة وذلك ما يوجب فساده ولا فرق فى هذه الحال بين أن تكون المنفعة المعقود عليها دينا فى الذمة كنقل متاع أو ليست بدين كسكنى دار، وقد نصوا على أنه يغتفر التأخير الى ثلاثة أيام، وبناء على ما تقدم اذا لم يكن الأجر معينا ولم يكن فى العقد شرط بتعجيله ولم يجر العرف بتعجيله ولم تكن المنفعة التى هى محل العقد دينا ثابتا فى الذمة لم يجب تعجيل الأجر وكان على المستأجر منه ما يعادل ما استوفاه من المنفعة، فكلما تمكن من استيفاء مقدار منها لزمه أجره فيدفعه مياومة أو مشاهرة عند عدم المشاحة فى التعجيل والتأخير وهو الأصل فى الاجارة فى مثل اجارة العقار والرواحل والآدمى للخدمة والأوانى للاستعمال (١) أما فى مثل اجارة الصناع والأجراء فليس لهم الأجر الا بعد تمام العمل الا عن تراض بدفعه قبل ذلك أو عن شرط بتعجيل دفعه قبل ابتداء العمل أو شرط بتأجيله الى ما بعد العمل
(١) الشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج ٤ ص ٣ وما بعدها. والشرح الصغير والصاوى عليه ج ٢ ص ٢٣٣ وما بعدها. والمواق هامش الحطاب ج ٥ ص ٣٩٣ وما بعدها.