للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى دخول الليلة الأولى، والعرف ثابت فى دخول الليلة الأولى فى الجمع لا فى التثنية وعلى ذلك فانه يدخل المسجد قبل طلوع الفجر ويخرج بعد غروب شمس اليوم الثانى.

ولو نوى يومين خاصة دون ليلتيهما صحت نيته ويلزمه اعتكاف يومين بغير ليلة لأنه نوى حقيقة كلامه وهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق اذ ليس فى لفظه ما يدل على التتابع واليومان متفرقان لتخلل الليلة بينهما وعلى ذلك فانه يدخل المسجد كل يوم قبل طلوع الفجر ويخرج بعد غروب الشمس، ولو نذر اعتكاف ليلتين ولا نية له لزمه اعتكاف ليلتين مع يوميهما متتابعان ويدخل المسجد قبل غروب الشمس، ولو نوى الليل خاصة دون النهار صحت نيته لأنه نوى حقيقة كلامه ولا يلزمه شئ لأن الليل ليس محلا للصوم.

كذلك ذهب الحنفية الى أن نذر اعتكاف الأيام بلفظ‍ الجمع تتبعه الليالى ونذر اعتكاف الليالى بلفظ‍ الجمع تتبعه الأيام فمن نذر اعتكاف ثلاثة أيام أو عشرة أو ثلاثين يوما ولا نية له فانه يلزمه اعتكاف الأيام مع الليالى متتابعة وتدخل الليلة الأولى فى نذره فيدخل المسجد قبل غروب الشمس ويخرج بعد الغروب من آخر يوم.

ولو نوى الأيام فقط‍ دون الليالى صحت نيته لأنه نوى حقيقة كلامه ويلزمه اعتكاف الأيام فقط‍ فيدخل المسجد كل يوم قبل طلوع الفجر الى غروب الشمس وهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق لأن اللفظ‍ مطلق عن قيد التتابع ولا يلزم التتابع الا بالشرط‍، ولو قال عنيت الليالى دون الأيام لم يعمل بنيته ولزمه الليل والنهار لأنه لما نص على الأيام لا يكون قوله: نويت بها الليالى دون الأيام مقبولا لأنه نوى ما لا يحتمله كلامه.

ومن نذر اعتكاف ثلاث ليال أو عشرا أو ثلاثين ليلة ولا نية له فانه تلزمه الليالى مع الأيام متتابعة ويدخل المسجد قبل غروب الشمس، ولو قال عنيت به الليالى دون النهار فلا يلزمه شئ لأنه نوى حقيقة كلامه والليالى فى اللغة اسم للزمان الذى تغيب فيه الشمس لكن عند الاطلاق فانها تتناول ما بازائها من الأيام بالعرف، فاذا عنى حقيقة كلامه - والعرف أيضا باستعمال هذه الحقيقة باق - صحت نيته لمصادفتها محلها.

والأصل فى كل ذلك أن الأيام اذا ذكرت بلفظ‍ الجمع يدخل ما بازائها من الليالى وكذلك الليالى اذا ذكرت بلفظ‍ الجمع يدخل ما بازائها من الأيام لقوله تعالى فى قصة زكريا عليه السّلام: «قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً» (١).

وقوله تعالى فى موضع آخر: «قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا» (٢). والقصة واحدة فلما عبر فى موضع باسم الأيام وفى موضع باسم الليالى دل على أن المراد من كل واحد منهما هو وما بازاء صاحبه حتى أنه فى الموضع الذى لم تكن الأيام فيه على عدد الليالى أفرد كل واحد


(١) الآية رقم ٤١ من سورة آل عمران ..
(٢) الاية رقم ١ من سورة مريم