قال ابن رشد رحمه الله تعالى: لأنهما يحكمان فى ذلك بما خلص اليهما بعد النظ والكشف وليس حكمهما بالشهادة القاطعة
النوع الثالث: كل من قامت عليه دعوى بفساد أو غصب أو تعد وهو من أهل الفساد الظاهر أو من الزنادقة المشهورين بما ينسب اليهم فلا يعذر اليهم فيما شهد به عليهم، ففى آخر الجزء الثانى من كتاب ابن سهل أن أبا الخير الزنديق لما شهد عليه بما يتعاطاه من القول المصرح بالكفر والانسلاخ من الايمان وقامت البينة عليه بذلك وكانوا ثمانية عشر شاهدا، وكان القاضى يومئذ منذر بن سعيد قاضى الجماعة فأشار بعض العلماء بأن يعذر اليه فيما شهد به عليه وأشار قاضى الجماعة واسحاق بن ابراهيم النجيبى وصاحب الصلاة احمد بن مطرف بأنه يقتل بغير اعذار لأنه ملحد كافر، وقد وجب قتله بدون ما ثبت عليه فقتل بغير اعذار فقيل لأبى ابراهيم اشرح أصل الفتيا فى قتله بغير اعذار الذى اعتمدت عليه فذكر أنه اعتمد فى ذلك على قاعدة مذهب الامام مالك رضى الله تعالى عنه فى قطع الاعذار عمن استفاضت عليه الشهادات فى الظلم وعلى مذهبه فى السلابة والمغيرين وأشباههم اذا شهد عليهم المسلوبون والمنتهبون بأن تقبل شهاداتهم عليهم اذا كانوا من أهل القبول وفى قبولها عليهم سفك دمائهم، وفى الرجل يتعلق بالرجل وجرحه يدمى فيصدق عليه، وفى التى تتعلق بالرجل فى المكان الخالى وقد فضحت نفسها بأصابته لها فتصدق بفضيحة نفسها، وفى الذى وجده مالك رضى الله تعالى عنه عند أحد الحكام وهو يضرب بدعوى صبى قد تعلق به وهو يدمى فضربه الحاكم فيما ادعاه عليه من اصابته لم فلم يزل يضرب ومالك جالس عنده حتى ضرب ثلاثمائة سوط وهو ساكت لا ينكر ذلك مع ما تقدم له من الضرب قبل وصول مالك رضى الله تعالى عنه، وقد بلغنى: أنه أنته به الضرب الى ستمائة سوط، وفى أهل حصن من العدو يأتون مسلمين رجالا ونساء حوامل فيصدقون فى أنسابهم ويتوارثون اذا كانوا جماعة لهم عدد.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى والعشرون عندى جماعة فأين الاعذار فى هؤلاء كلهم؟ قال: واذا كان مالك رحمه الله تعالى يرى فى أهل الظلم للناس والسلابين والمحاربين ونحوهم أن يقطع عنهم الاعذار فالظالم لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلّى الله عليه وسلم أحق بأن يقطع عنه الاعذار فيما ثبت عليه وانى متقرب الى الله تعالى باسقاط التوسعة عليه فى طلب المخارج له بالاعذار وقد ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم فى الموطأ أنه قال انما أنا بشر مثلكم يوحى الى وانكم تختصمون الى فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه وهذا الحديث هو أم القضايا ولا اعذار فيه، وكذلك كتاب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه الى أبى عبيدة بن الجراح والى أبى موسى الأشعرى رضى الله تعالى عنهما وهما أيضا ملاذ الحكام فى الأحكام ولا اعذار فيهما ولا اقالة من حجة ولا من كلمة غير أن الاعذار فيما يتحاكم الناس فيه من غير أسباب الديانات استحسان من أئمتنا