سقط حقه منها فى هذه الدعوى وله أن يستأنف الدعوى لأن حقه لم يسقط بالابراء من اليمين
فان أستأنف الدعوى وانكر المدعى عليه فله ان يحلفه لأن هذه الدعوى غير الدعوى التى أبرأه فيها من اليمين فان حلف سقطت الدعوى لما روى وائل بن حجر رضى الله تعالى عنه أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمى غلبنى هذا على أرض ورثتها من أبى، وقال الكندى أرضى وفى يدى أزرعها لا حق له فيها، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه قال انه لا يتورع عن شئ فقال ليس لك الا ذلك، فان امتنع عن اليمين لم يسأل عن سبب امتناعه فان ابتدأ وقال امتنعت لأنظر فى الحساب امهل ثلاثة أيام لأنها مدة قريبة ولا يمهل أكثر منها لأنها مدة كثيرة فان لم يذكر عذرا لامتناعه جعله ناكلا ولا يقضى عليه بالحق بنكوله لأن الحق انما يثبت بالاقرار أو البينة والنكول ليس باقرار ولا بينة.
فان بذل اليمين بعد النكول لم يسمع لأن بنكوله ثبت للمدعى حق وهو اليمين فلم يجز ابطاله عليه، فان لم يعلم المدعى ان اليمين صارت اليه قال له القاضى اتحلف وتستحق وان كان يعلم فله ان يقول ذلك وله ان يسكت، وان قال أحلف ردت اليمين عليه لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق وروى ان المقداد استقرض من عثمان مالا فتحاكما الى عمر فقال المقداد هو أربعة آلاف وقال عثمان: سبعة آلاف، فقال المقداد لعثمان احلف انه سبعة آلاف، فقال عمر انه انصفك فلم يحلف عثمان، فلما ولى المقداد قال عثمان: والله لقد أقرضته سبعة آلاف فقال عمر: لم لم تحلف؟ فقال خشيت أن يوافق ذلك به قدر بلاء فيقال بيمينه.
وأختلف قول الشافعى رحمه الله تعالى فى نكول المدعى عليه مع يمين المدعى، فقال فى أحد القولين هما بمنزلة البينة لأنه حجة من جهة المدعى.
وقال فى القول الآخر هما بمنزله الاقرار وهو الصحيح لأن النكول صادر من جهة المدعى عليه واليمين ترتب عليه وله فصار كاقراره فان نكل المدعى عن اليمين سئل عن سبب نكوله والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث لم يسأل عن سبب نكوله ان بنكول المدعى عليه وجب للمدعى حق فى رد اليمين والقضاء له فلم يجز سؤال المدعى عليه وبنكول المدعى لم يجب لغيره حق فيسقط بسؤاله.
فان سئل فذكر أنه أمتنع من اليمين لأن له بينة يقيمها وحسابا ينظر فيه فهو على حقه من اليمين ولا يضيق عليه فى المدة ويترك ما ترك تارك.
والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث قلنا انه لا يترك أكثر من ثلاثة أيام انه يترك المدعى عليه يتأخر حق المدعى فى الحكم له ويترك المدعى لا يتأخر الا حقه، وان قال امتنعت لأنى لا اختار ان أحلف حكم بنكوله.