صدق المدعى وقوى جانبه فتشرع اليمين فى حقه كالمدعى عليه قبل نكوله وكالمدعى اذا شهد له شاهد واحدا، ولأن النكول قد يكون لجهله بالحال وتورعه عن الحلف على ما لا يتحققه أو للخوف من عاقبة اليمين أو ترفعا عنها مع علمه بصدقه فى انكاره ولا يتعين بنكوله صدق المدعى فلا يجوز الحكم له من غير دليل فاذا حلف كانت يمينه دليلا عند عدم ما هو أقوى منها كما فى موضع الوفاق. وكذلك لو ادعى رجل على ميت انه وصى اليه بتفريق ثلثه وانكر الورثة ونكلوا عن اليمين قضى عليهم، والخبر لا تعرف صحته ومخالفة ابن عمر له فى القصة التى ذكرناها تدل على ضعفه فانه لم يرد اليمين على المدعى ولا ردها عثمان، فعلى هذا اذا نكل عن اليمين قال له الحاكم: إن حلفت وإلا قضيت عليك ثلاثا فان حلف والا قضى عليه وعلى القول الآخر يقول له: لك رد اليمين على المدعى فإن ردها حلف وقضى له.
وان نكل عن اليمين سئل عن سبب نكوله فان قال لى بينة اقيمها أو حساب استثبته لأحلف على ما اتيقنه أخرت الحكومة.
وان قال ما اريد أن أحلف سقط حقه من اليمين فلو بذلها فى ذلك المجلس بعد هذا لم تسمع منه الى أن يعود فى مجلس آخر فان قيل فالمدعى عليه لو امتنع عن اليمين ثم بذلها سمعت منه فلم منعتم سماعها ههنا؟ قلنا اليمين فى حق المدعى عليه هى الأصل فمتى قدر عليها أو بذلها وجب قبولها والمصبر اليها كالمبدلات مع ابدالها.
وأما يمين المدعى فهى بدل فاذا امتنع منها لم ينتقل الحق الى غيره فاذا امتنع منها سقط حقه منها لضعفها.
وأما اذا حلف وقضى له فعاد المدعى عليه وبذل اليمين لم يسمع منه، وهكذا لو بذلها بعد الحكم عليه بنكوله لم يسمع لأن الحكم قد تم فلا ينقض كما لو قامت به بينة، هذا اذا كان المدعى به مالا أو المقصود منه المال فأما غير المال وما لا يقصد به المال فلا يقضى فيه بالنكول نص عليه أحمد رحمه الله تعالى فى القصاص، ونقل عنه فى رجل ادعى على رجل انه قذفه، فقال استحلفوه فان قال لا أحلف أقيم عليه.
قال أبو بكر هذا قول قديم والمذهب انه لا يقضى فى شئ من هذا بالنكول ولا فرق بين القصاص فى النفس والقصاص فى الطرف. وروى عن أحمد رحمه الله تعالى انه يقضى بالنكول فى القصاص فيما دون النفس:
والأول هو المذهب لأن هذا أحد نوعى القصاص فأشبه النوع الآخر فعلى هذا ما يصنع به فيه وجهان.
احدهما يخلى سبيله لأنه لم تثبت عليه حجة فتكون فائدة شرعية اليمين الردع والزجر.
والثانى يحبس حتى يقر أو يحلف (١).
ومن ادعى دعوى وقال لا بينة لى ثم أتى بعد
(١) المرجع السابق ج ١٢ ص ١٢٢، وما بعدها الى ص ١٢٦ نفس الطبعة ..