للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حق واجب على من زنى وقد احصن اذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، ولأنه حق فيثبت باعتراف مرة كسائر الحقوق. ويدل لنا ما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه قال:

أتى رجل من الأسلميين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد فقال يا رسول الله انى زنيت، فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه فقال يا رسول الله انى زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابك جنون؟ قال: لا، قال: فهل احصنت؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجموه» متفق عليه.

ولو وجب الحد بمرة لم يعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى، وروى نعيم بن هزال حديثه، وفيه حتى قالها أربع مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انك قد قلتها أربع مرات، فبمن؟، قال بفلانة». رواه أبو داود رحمه الله تعالى، وهذا تعليل منه يدل على أن اقرار الأربع هى الموجبة.

وروى أبو برزة الاسلمى ان أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه قال له عند النبى صلّى الله عليه وسلّم: ان اقررت اربعا رجمك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهذا يدل من وجهين:

أحدهما: أن النبى صلى الله عليه وسلم أقره على هذا ولم ينكره، فكان بمنزلة قوله لأنه لا يقر على الخطأ.

الثانى: انه قد علم هذا من حكم النبى صلّى الله عليه وسلّم ولولا ذلك ما تجاسر على قوله بين يديه.

فأما حديث أنيس وغيره فان الاعتراف لفظ‍ المصدر يقع على القليل والكثير وحديثنا يفسره ويبين ان الاعتراف الذى يثبت كان أربعا. وسواء كان ذلك فى مجلس واحد أو مجالس متفرقة.

قال الاثرم: سمعت ابا عبد الله يسأل عن الزانى يردد اربع مرات، قال: نعم على حديث ماعز هو أحوط‍، قلت له فى مجلس واحد أو فى مجالس شتى قال:

أما الأحاديث فليست تدل الا على مجلس واحد الا ذاك الشيخ بشير بن مهاجر عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه، وذاك عندى منكر الحديث، ويدل لقولنا ان الحديث الصحيح انما يدل على أنه أقر أربعا فى مجلس واحد، وقد ذكرنا الحديث ولأنه احدى حجتى الزنا فاكتفى به فى مجلس واحد كالبينة.

ويعتبر فى صحة الاقرار يذكر حقيقة الفعل لنزول الشبهة لأن الزنا يعبر عما ليس بموجب للحد، وقد روى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لماعز: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت» قال: لا. قال: «أفنكتها» لا تكنى؟، قال: نعم. فعند ذلك أمر برجمه. رواه البخارى. وفى رواية عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: «افنكتها» قال: نعم.

قال: «حتى غاب ذاك منك فى ذاك منها».

قال: نعم. قال: كما يغيب المرود فى المكحلة