للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا» (١)؟ قلت الجواب عن ذلك من وجوه أحسنها أن النسيان منه ما يعذر صاحبه فيه ومنه ما لا يعذر.

فمن رأى دما فى ثوبه وأخر ازالته الى أن نسى فصلى وهو على ثوبه عد مقصرا اذ كان يلزمه المبادرة الى ازالته وكذا اذا تغافل عن تعاهد القرآن حتى نسيه فانه يكون ملوما، بخلاف ما لو واظب على القراءة ومع ذلك نسى فانه يكون معذورا، فثبت ان الناسى قد لا يكون معذورا وذلك اذا ترك التحفظ‍ واعرض عن أسباب التذكر، واذ كان كذلك صح طلب غفرانه بالدعاء.

وحكم النسيان نوعان:

أخروى: وهو هنا المأثم.

ودنيوى: وهو هنا الفساد، والحكمان مختلفان.

اذ الأول مبنى على صحة العزيمة وفسادها.

والثانى: مبنى على وجود الأركان والشرائط‍ وعدمها فيوجد أحدهما بدون الآخر كمن صلى رياء مراعيا الشرائط‍ والأركان.

ومن صلى متوضئا بماء نجس غير عالم به، ولما اختلف النوعان صار لفظ‍ الحكم مشتركا فلا يعم لأن المشترك عندنا لا عموم له.

فاذا ثبت الأخروى اجماعا لم يثبت الآخر كذا فى التنقيح وتمامه فى شرحنا على المنار وأما الحكم الدنيوى فان وقع فى ترك مأمور لم يسقط‍ الحكم - وهو الفساد - لأن النسيان لا ينافى الوجوب ولا وجوب الاداء لأنه لا يخل بالأهلية لكمال العقل وايجاب الحقوق على الناس لا يؤدى الى ايقاعه فى الحرج ليمنع الوجوب به، بل يجب تداركه ويحصل الثواب المترتب عليه بتداركه.

وان وقع فى فعل منهى عنه.

فان أوجب عقوبته كان شبهة فى اسقاطها كالحدود كما لو شرب الخمر ناسيا ويفهم منه ان ما لا يوجب عقوبة لا يسقط‍ كما لو تكلم فى الصلاة ناسيا.

فمن نسى صلاة أو صوما أو حجا أو زكاة أو كفارة أو نذرا وجب عليه قضاؤه بلا خلاف.

وكذا لو وقف بغير عرفه غلطا يجب القضاء اتفاقا.

وكذا لو صلى بنجاسة مانعة ناسيا أو نسى ركنا من اركان الصلاة أو تيقن الخطأ فى الاجتهاد فى الماء بعد ما توضأ وفى الثوب بعد ما صلى وفى الوقت بعد ما صلى وفى الصوم بعد ما صام.

أو نسى نية الصوم وصام بلا نية أو تكلم فى الصلاة ناسيا. ومما يسقط‍ حكمه فى النسيان لو أكل أو شرب ناسيا فى الصوم أو جامع لم يبطل صومه.

ولو أكل ناسيا فى الصلاة تبطل.

ولو سلم ناسيا فى الصلاة الرباعية على رأس الركعتين لا تبطل، والناسى والعامد فى اليمين سواء وكذا فى الطلاق لو قال زوجتى طالق ناسيا أن له زوجة وكذا فى العتاق وفى محظورات الاحرام. وقد جعل لما ذكره مما


(١) الآية رقم ٢٨٦ من سورة البقرة.