للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاكراه القتل بأن يقال لزيد مثلا ان قتلت عمرا والا قتلناك فيقع التعارض عنده بين أن يقتل فيسلم أو يمتنع فيقتل فقد دار الأمر بين تفويت نفسه ونفس غيره، وهما سواء بالنسبة الى عدل الشرع فاذا أقدم المكره على القتل فقد رجح بقاء نفسه على فواتها وبقاء نفس غيره فصار مختارا وخرج عن حد الاكراه. كما لو اكره على طلاق زينب فطلق عمرة، أو أكره على الاقرار بدراهم فأقر بدنانير أو على العكس فيهما فان طلاقه واقراره يصح لأنه مختار بالنسبة الى زينب والدبنارين وانما كان الاكراه على غيره، بل هو فى صورة القتل أولى بأن يخرج عن حد الاكراه لما عرف من رجحان حرمة الدماء على الأموال.

واذا تقرر ان المكره على القتل يخرج عن حد الاكراه لم يكن فيه دلالة على تكليف المكره لأنا نقول المكره على القتل يصير عند القتل مختارا لا مكرها فلذلك يقتل.

قال الطوفى رحمه الله تعالى فى مختصره:

والحق ان الخلاف فى هذه المسألة مبنى على خلق الافعال فمن رآها خلقا لله تعالى قال بتكليف المكره اذ جميع الأفعال واجبة بفعل الله تعالى.

والتكليف بايجاد المأمورية منها وترك المنهى عنه غير مقدور وهذا أبلغ ومن لا فلا.

قال صاحب نزهة الخاطر: وتحقيق الحق ان العدل الشرعى الظاهر يقتضى عدم تكليف المكره مطلقا لأن تكليفه اضرار به وتضييق لما وسعه الله تعالى والله تعالى لا يكلف عبده ما لا يطيقه (١).

وجاء فى المغنى انه لا تختلف الرواية عن الامام احمد رحمه الله تعالى ان طلاق المكره لا يقع.

وروى ذلك عن عمر وعلى وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجابر بن سمرة رضى الله تعالى عنهم وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمه والحسن وجابر بن زيد وغيرهم وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجة رضى الله تعالى عنه، وروى عن السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طلاق فى اغلاق» (٢).

رواه أبو داود والأثرم رضى الله تعالى عنهما، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم فى عصرهم فيكون اجماعا، ولأنه قول


(١) نزهة الخاطر العاطر للشيخ عبد القادر ابن احمد بن مصطفى بدران الدومى ج ١ ص ١٤٤ شرح روضة الناظر لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن قدامة الطبعة السابقة.
(٢) قال أبو عبيد والقتيبى معناه فى اكراه، وقال أبو بكر سألت ابن دريد وابا ظاهر النحويين فقالا: يريد الاكراه لأنه اذا اكره انغلق عليه رايه، ويدخل فى هذا المعنى المبرسم والمجنون. انظر المغنى للامام موفق الدين ابى محمد عبد الله بن احمد بن محمود بن قدامة ج ٨ ص ٢٥٩ فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن احمد ابن قدامة المقدسى. الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٨ هـ‍.