الزبيب المطبوخ المعتق لأن هذا وان كان حلالا عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فانما يحل بشرط أن لا يسكر منه وذلك من جنس ما يتلهى به فيصير السكر منه مثل السكر من الشراب المحرم. والسكر المحظور لا ينافى الخطاب بالاجماع لأن الله سبحانه وتعالى قال:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ١» فان كان هذا خطابا فى حال سكره فلا شبهة فى أنه لا ينافى الخطاب وان كان فى حال الصحو فكذلك يدل على انه لا ينافى الخطاب أيضا اذ لو كان منافيا له لصار كأنه قيل لهم اذا سكرتم وخرجتم عن أهلية الخطاب فلا تصلوا لأن الواو للحال والأحوال شروط وحينئذ يصير كقولك للعاقل اذا جننت فلا تفعل كذا وفساده ظاهر لأنه اضافة الخطاب الى حالة منافية له، ولما صح ههنا عرفنا أنه أهل للخطاب فى حال السكر، وانما لم يسقط الخطاب عنه كالمغمى عليه ولم يتأخر كالنائم نظرا الى أن السكر يعجزه عن استعمال العقل وفهم الخطاب كالنوم والاغماء لم يسقط الخطاب عنه مع ذلك لأن الخطاب انما يتوجه على العبد باعتدال الحال وأقيم السبب الظاهر - وهو البلوغ عن عقل - مقامه تيسير العذر الوقوف على حقيقته، وبالسكر لا يفوت هذا المعنى ثم قدرته على فهم الخطاب ان فاتت بآفة سماوية يصلح عذرا فى سقوط الخطاب أو تأخره عنه لئلا يؤدى الى تكليف ما ليس فى الوسع والى الحرج، فأما اذا فاتت من جهة العبد بسبب هو معصية عدت قائمة زجرا عليه فبقى الخطاب متوجها عليه وذلك أنه لما كان فى وسعه دفع السكر عن نفسه بالامتناع عن الشرب كان هو بالاقدام على الشرب مضيعا للقدرة فيبقى التكليف متوجها عليه فى حق الاثم وان لم تبقى فى حق الأداء وبهذا الطريق بقى التكليف بالعبادات فى حقه وان كان لا يقدر على الأداء ولا يصح منه الأداء كذا فى شرح التأويلات.
واذا ثبت أن الكسران مخاطب ثبت أن السكر لا يبطل شيئا من الأهلية لأنها بالعقل والبلوغ والسكر لا يؤثر فى العقل بالاعدام فيلزمه أحكام الشرع كلها من الصلاة والصوم وغيرهما، وتصح عباراته كلها بالطلاق والعتاق، وهو أحد قولى الشافعى رحمه الله تعالى، وفى قوله الآخر لا يصح، وهو قول مالك واختيار أبى الحسن الكرخى وأبى جعفر الطحاوى من أصحابنا رحمهم الله تعالى، ونقل عن عثمان رضى الله تعالى عنه أيضا لأن غفلته فوق غفلة النائم فان النائم ينتبه اذا نبه والسكران لا ينتبه، ثم طلاق النائم وعتاقه لا يقع فطلاق السكران وعتاقه أولى، ويصح بيعه وشراؤه واقراره وتزويجه الولد الصغير وتزوجه واقراضه واستقراضه وسائر تصرفاته قولا وفعلا عندنا لأنه مخاطب كالصاحى، وبالسكر لا ينعدم عقله انما يغلب عليه السرور فيمنعه من استعمال عقله وذلك لا يؤثر فى تصرفه سواء شرب مكرها أو طائعا، وذكر فى شرح الجامع الصغير لقاضى خان رحمه الله تعالى أنه ان شرب السكر مكرها ثم طلق أو أعتق اختلفوا فيه والصحيح أنه كما لا يجب عليه الحد لا ينفذ تصرفه - وبالسكر ينعدم القصد الصحيح - وهو العزم على الشئ - لأن ذلك ينشأ عن نور العقل وقد احتجب ذلك عنه بالسكر، أما العبارة فلا تنعدم به لأنها توجد حسا، وصحتها تبتنى على أهل العقل حتى ان السكران اذا تكلم بكلمة الكفر لم تبن منه امرأته استحسانا لأن الردة تبتنى على القصد والاعتقاد ونحن نعلم أن السكران غير معتقد لما يقول بدليل أنه لا يذكره بعد الصحو، وما كان عن عقد القلب لا ينسى خصوصا المذاهب فانها تختار عن فكر وروية وعما هو الأحق من الأمور عنده، واذا كان كذلك كان هذا عمل اللسان دون القلب فلا يكون اللسان معبرا عما فى الضمير فجعل كأنه لم ينطق به حكما كما لو جرى على لسان الصاحى كلمة الكفر خطأ كيف ولا ينجو سكران من التكلم بكلمة الكفر عادة وهذا بخلاف ما اذا تكلم بالكفر هازلا لأنه بنفسه استخفاف