للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقيقة الأداء للعجز وخلفه - وهو القضاء - للحرج.

واذا سقط‍ وجوب الأداء أصلا بطل نفس الوجوب لما قلنا فى باب الأهلية ان الوجوب غير مقصود بنفسه بل المقصود منه الأداء فلما سقط‍ لم يبق الوجوب لعدم الفائدة وسقوط‍ الأداء بالاغماء عند امتداده استحسان وكان القياس أن لا يسقط‍ بالاغماء شئ وان طال كما ذهب اليه بشر بن غياث المريس لأنه مرض لا يؤثر فى العقل ولكنه يوجب خللا فى القدرة الأصلية فيؤثر فى تأخير الأداء ولا يوجب. سقوط‍ القضاء كالنوم، والفرق ما ذكرنا أن الاغماء قد يقصر وقد يطول عادة فى حق بعض الواجبات فاذا قصر اعتبر بما يقصر عادة وهو النوم فلا يسقط‍ به القضاء واذا طال اعتبر بما يطول عادة الجنون والصغر فيسقط‍ القضاء.

وامتداد الاغماء فى الصلوات أن يزيد على يوم وليلة باعتبار الأوقات عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى، وباعتبار الصلوات عند محمد رحمه الله تعالى على ما فسرناه فى الجنون وقال الشافعى رحمه الله تعالى امتداده باستيعاب وقت الصلاة حتى لو كان مغمى عليه وقت صلاة كاملا لا يجب عليه القضاء لأن وجوب القضاء يبتنى على وجوب الأداء وفرق بين النوم والاغماء فان النوم عن اختيار منه بخلاف الاغماء ولكنا استحسنا لحديث على رضى الله تعالى عنه فانه أغمى عليه أربع صلوات فقضاهن وعمار بن ياسر رضى الله تعالى عنه أغمى عليه يوما وليلة فقضى الصلوات وعبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما أغمى عليه أكثر من يوم وليلة فلم يقض الصلوات.

فعرفنا أن امتداده فى الصلوات بما ذكرنا كذا فى المبسوط‍ وذكر فى بعض المواضع أن القضاء يجب على المغمى عليه بالاجماع اذا لم يزد الاغماء على يوم وليلة.

وفى الصوم لا يعتبر امتداده حتى لو كان مغمى عليه فى جميع الشهر ثم أفاق بعد مضيه يلزمه القضاء أن تحقق ذلك الا عند الحسن البصرى رحمه الله فانه يقول سبب وجوب الأداء لم يتحقق فى حقه لزوال عقله بالاغماء ووجوب القضاء يبتنى عليه.

وقلنا ان الاغماء عذر فى تأخير الصوم الى زواله الا فى اسقاطه لأن سقوطه بزوال الأهلية أو بالحرج ولا تزول الأهلية به لما بينا ولا يتحقق الحرج به أيضا لأنه انما يتحقق فيما يكثر وجوده وامتداده فى حق الصوم نادر لأنه مانع من الأكل والشرب وحياة الانسان شهرا بدون الأكل والشرب لا تتحقق الا نادرة فلا يصلح لبناء الحكم عليه.

وفى الصلاة امتداده غير نادر فيوجب حرجا فيجب اعتباره وفى اعتبار امتداده فى حق الصلاة جاءت السنة كما بينا (١).

أما السكر فنوعان سكر بطريق مباح وسكر بطريق محظور، أما السكر بالمباح فمثل من أكره على شرب الخمر بالقتل فانه يحل له وكذلك المضطر اذا شرب من الخمر ما يروى به العطش فسكر به، وكذلك اذا شرب دواء فسكر به مثل البنج والأفيون، أو شرب لبنا فسكر به فان السكر فى هذه المواضع بمنزلة الاغماء يمنع من صحة الطلاق والعتاق وسائر التصرفات لأن ذلك ليس من جنس اللهو فصار من أقسام المرض وذكر القاضى الامام فخر الدين المعروف بخان رحمه الله تعالى فى فتاواه وشرحه للجامع الصغير ناقلا عن أبى حنيفة وسفيان الثورى أن الرجل ان كان عالما بفعل البنج وتأثيره فى العقل ثم أقدم على أكله فانه يصح طلاقه وعتاقه.

وأما السكر المحظور فهو السكر من كل شراب محرم وكذلك السكر من النبيذ المثلث أو نبيذ


(١) المرجع السابق ج‍ ٤ ص ١٣٩٩ وما بعدها الى ص ١٤٠١ نفس الطبعة.