فى الأحداث بين النوم واليقظة، الا ترى أنه لو احتلم يجب الغسل كما لو أنزل بشهوة فى اليقظة وتفسد صلاته لأن النائم فى الصلاة كالمستيقظ، وبهذا أخذ عامة المتأخرين احتياطا كذا فى المغنى، وعن شداد ابن أوس عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انها تكون حدثا ولا تفسد صلاته حتى كان له أن يتوضأ ويبنى على صلاته بعد الانتباه ولأن فساد الصلاة بالقهقهة باعتبار معنى الكلام فيها وقد زال بالنوم لفوات الاختيار، أما تحقق الحدث فلا يفتقر الى الاختيار فلا يمتنع بالنوم وكانت القهقهة فى هذه الحالة حدثا ساريا بمنزلة الرعاف فلا تفسد الصلاة وقيل تفسد صلاته ولا تكون حدثا، وهذا هو المذكور فى عامة نسخ الفقه لأن فساد الصلاة باعتبارها معنى الكلام فى القهقهة والنوم كاليقظة فى حق الكلام عند الأكثر كما قلنا، وأما كونها حدثا فاعتبار معنى الجنابة وقد زال بالنوم ألا ترى أن قهقهة الصبى فى الصلاة لا تكون حدثا لزوال معنى الجنابة عن فعله. والاغماء وهو فتور يزيل القوى ويعجز به ذو العقل عن استعماله مع قيامه حقيقة لا يخل بالأهلية كالنوم لأن العجز عن استعمال العقل لا يوجب عدم العقل فتبقى الأهلية ببقائه كمن عجز عن استعمال السيف لم يؤثر ذلك فى السيف بالاعدام ألا ترى بأنه لا يولى عليه كما يولى على الصبى والمجنون وأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن معصوما عنه، ولو كان فيه زوال العقل لعصم عنه كما عصم عن الجنون.
قال الله عز وجل:{ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}(١)» والاغماء أشد من النوم فى كونه عارضا وفى فوت الاختيار والقوة لأن النوم فترة أصلية - أى طبيعية بحيث لا يخلو الانسان عنه فى حال صحته فمن هذا الوجه يختل كونه عارضا وان تحققت العارضية فيه باعتبار انه زائد على معنى الانسانية، ولا يزيل أصل القوة أيضا وان أوجب العجز عن استعمالها، ويمكن ازالته بالتنبيه، والاغماء عارض من كل وجه لأن الانسان قد يخلو عنه فى مدة حياته فكان أقوى من النوم فى العارضية، وهو ينافى القوة أصلا لما قلنا أنه مرض مزيل للقوى.
ولهذا لا يمكن ازالته بفعل أحد، بخلاف النوم لأنه عجز عن استعمال القوة مع وجودها ولهذا يزول بالتنبيه.
ويوضح كون الاغماء أشد من النوم أنه يصير حدثا فى كل حال مضطجعا كان أو قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا، والنوم ليس بحدث فى بعض الأحوال لأنه بذاته لا يوجب استرخاء المفاصل الا اذا غلب فحينئذ يصير سببا للاسترخاء فيكون حدثا ويفارق الاغماء النوم أيضا فى أن النوم لازم للانسان بأصل الخلقة فيكون كثير الوقوع فلهذا كان النوم من المضطجع فى الصلاة اذا لم يتعمده حدثا لا يمنع البناء بمنزلة الرعاف والاغماء من العوارض النادرة فى الصلاة فلم يكن فى معنى ما ورد به النص وهو الحدث الذى يغلب وجوده فى جواز البناء.
والاغماء فوق الحدث فى المنع من الصلاة لأنه مع كونه حدثا فى جميع الأحوال مخل بالعقل وكل واحد منهما مؤثر فى المنع من الأداء لأنه مفتقر الى كل واحد منهما، كذا فى بعض الفوائد، فلم يلحق الاغماء بالحدث لهذين الوجهين كما لم تلحق الجنابة به، ومنع البناء على كل حال مضطجعا كان المغمى عليه أو غير مضطجع قليلا كان الاغماء أو كثيرا.
ويختلف النوم والاغماء فيما يجب من حقوق الله تعالى بطريق الخبر فيصلح الاغماء عذرا مسقطا فى البعض ولا يصفح النوم عذرا مسقطا بحال لأن الاغماء مرض ينافى القوة أصلا فلا يجب الأداء فى الحال للعجز.
وقد يحتمل الامتداد فى حق بعض الواجبات على وجه يوجب عدم اعتبار امتداده الحرج بدخول الواجب فى حد التكرار فيسقط به عنه