للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على خلافه ثم قال فى التوضيح والذى ذكره صاحب البيان وصاحب الاكمال أن مذهب مالك وعامة أصحابه رحمهم الله تعالى انه لا تلزمه عقود (١).

وقال ابن رشد رحمه الله تعالى السكران قصمان الأول سكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة وهو لا خلاف فى أنه كالمجنون فى جميع أحواله وأقواله فيما بينه وبين الله تعالى وفيما بينه وبين الناس الا فيما ذهب وقته من الصلوات فقيل أنه لا يسقط‍ عنه بخلاف المجنون من أجل أن السكران أدخل السكر على نفسه فكأنه تعمد تركها.

والثانى: السكران المختلط‍ الذى معه بقية من عقله وهذا اختلف أهل العلم فى أقواله وأفعاله على أربعة أقوال أحدها أنه كالمجنون فلا يحد ولا يقتص منه ولا يلزمه بيع ولا عتق ولا طلاق ولا شئ من الأشياء قال بهذا محمد ابن عبد الحكم رحمه الله تعالى.

وثانيها: أنه كالصحيح لأن معه بقية من عقله، وهو قول ابن نافع رحمه الله تعالى حيث قال يجوز عليه كل ما فعل من بيع أو غيره.

وثالثها: تلزمه الأفعال ولا تلزمه الأقوال فيقتل بمن قتل ويحد فى الزنا والسرقة ولا يحد فى القذف ولا يلزمه طلاق ولا عتق وهو قول الليث رحمه الله تعالى.

ورابعها: أنه تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا يلزمه الاقرارات والعقود، وهو مذهب مالك وعامة أصحابه رضى الله تعالى عنهم. وهو وأظهر الأقوال وأولاها بالصواب لأن مالا يتعلق به حق الله من الاقرارات والعقود اذا لم يلزمه السفيه والصبى لنقصان عقلهما فأحرى أن لا يلزم السكران لنقصان عقله بالسكر.

وما سوى ذلك مما يتعلق به حق الله تعالى يلزمه ولا يسقط‍ قياسا على ما أجمعوا عليه من أن العبادات من الصوم والصلاة تلزمه (٢).

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: السكران بغير خمر كالمجنون، قال الحطاب رحمه الله تعالى: وهذا اذا شرب شيئا مباحا أو تداوى به ولم يعلم انه يسكره.

وأما اذا شربه وهو عالم باسكاره فلا فرق بين الخمر وغيرها.

وقال ابن عرفة عقد المجنون حال جنونه ينظر له السلطان بالأصلح فى اتمامه وفسخه ان كان مع من يلزمه عقده لقول المدونة من جن فى أيام الخيار نظر له السلطان ولسماع عيسى بن القاسم رحمه الله تعالى أن من باع مريض ليس فى عقله فله أو لوارثه الزامه المبتاع.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى لأنه ليس بيعا فاسدا كبيع السكران على قول من لا يلزمه بيعه قال الحطاب رحمه الله تعالى.

والأولى أن يحمل كلام العتبية وابن رشد وصاحب التنبيهات وابن عرفة على من عنده شئ من التمييز وحصل عنده شئ من الاختلاط‍ كالمعتوه ويشهد لذلك تشبيه ابن رشد له ببيع السكران وقد تقدم فى كلامه أن الخلاف انما هو فى لزوم بيع السكران الذى عنده شئ من التمييز وأما من ليس عنده شئ من التمييز فالظاهر ان بيعه غير منعقد لأنه جاهل بما يبيعه وما يشتريه وذلك موجب لعدم انعقاد البيع، قال الدمامينى رحمه الله تعالى عن مالك أن المذعور لا يلزمه ما صدر منه فى حال ذعره من بيع أو اقرار أو غير ذلك (٣).


(١) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج‍ ٤ ص ٢٤١، ص ٢٤٢.
(٢) المرجع السابق ج‍ ٤ ص ٢٤٢ نفس الطبعة.
(٣) المرجع السابق ج‍ ٤ ص ٢٤٤ نفس الطبعة.