للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رواه حمد والدارقطنى، ولأن النوم ونحوه مظنة الحدث فأقيم مقامه والنوم رحمة من الله تعالى على عبده ليستريح بدنه عند تعبه وهو غشية ثقيلة تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء الا نوم النبى صلى الله عليه وسلم ولو كثيرا على أى حال كان فانه صلى الله عليه وسلم كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، والا النوم اليسير عرفا من جالس وقائم لقول أنس رضى الله تعالى عنه كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون (رواه أبو داود وباسناد صحيح، ولقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى قصة تهجده صلى الله عليه وسلم: فجعلت اذا غفيت يأخذ بشحمة أذنى) رواه مسلم ولأن الجالس والقائم يشتبهان فى الانحفاظ‍ واجتماع المخرج، وربما كان القائم أبعد من الحدث لكونه لو استثقل فى النوم سقط‍، فان نام وشك هل نومه كثير أو يسير لم يلتفت اليه لتيقنه الطهارة وشكه فى نقضها، وان رأى فى نومه رؤيا فهو كثير، نص عليه.

قال الزركشى رحمه الله تعالى: لا بد فى النوم الناقض من الغلبة على العقل فمن يسمع كلام غيره وفهمه فليس بنائم، فان سمعه ولم يفهمه فهو نوم يسير، قال واذا سقط‍ الساجد عن هيئته والقائم عن قيامه ونحو ذلك بطلت طهارته لأن أهل العرف يعدون ذلك كثيرا وان خطر بباله شئ لا يدرى أرؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه لتيقنه فى الطهارة وشكه فى الحدث، وينتقض النوم اليسير من راكع أو ساجد كمضطجع، وقياسهما على الجالس مردود بأن محل الحدث فيهما منفتح بخلاف الجالس، وينقض اليسير أيضا من مستند ومتكئ ومحتب كمضطجع بجامع الاعتماد (١).

وتجب الخمس على نائم أى يجب عليه قضاؤها اذا استيقظ‍ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها اذا ذكرها) رواه مسلم من حديث أبى هريرة ولو لم تجب عليه حال نومه لم يجب عليه قضاؤها كالمجنون ومثله الساهى ويجب اعلام النائم اذا ضاق الوقت، صححه فى الانصاف وجزم به أبو الخطاب رحمه الله تعالى فى التمهيد، وتجب الخمس على من تغطى عقله بمرض أو اغماء أو دواء مباح لأن ذلك لا يسقط‍ الصوم فكذا الصلاة وكالنائم ولأن عمارا رضى الله تعالى عنه غشى عليه ثلاثا ثم أفاق فقال هل صليت فقالوا ما صليت منذ ثلاث ثم توضأ وصلى تلك الثلاث وعن عمران ابن حصين وسمرة بن جندب رضى الله تعالى عنهما نحو ذلك ولم يعرف لهم مخالف فكان كالاجماع ولأن مدة الاغماء لا تطول غالبا ولا تثبت عليه الولاية، ويجوز على الانبياء بخلاف الجنون وكذا تجب الخمس على من تغطى عقله بمحرم كسكر فيقضى لأن سكره معصية فلا يناسب اسقاط‍ الواجب عنه ولأنه اذا وجب بالنوم المباح فبالمحرم بطريق الأولى، وقيل تسقط‍ ان كان مكرها، ويقضى من تغطى عقله بسكر ولو زمن جنونه لو جن بعد شربه المسكر متصلا جنونه بسكرة والمحرم تغليظا عليه (٢).

ولا تجب الصلاة على مجنون لا يفيق لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها مرفوعا (رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ‍ وعن المجنون حتى يعقل وعن الصبى حتى يحتلم) رواه أبو داود والترمذى وحسنه، ولأنه ليس من أهل التكليف أشبه الطفل، وظاهره: ولو اتصل جنونه بردته كالحيض، وقدم فى المبدع يجب قضاء أيام الجنون الواقعة فى الردة لأن اسقاط‍ القضاء عن المجنون رخصة والمرتد ليس من أهلها، ولا تصح الصلاة من المجنون لأن من


(١) كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج‍ ١ ص ٩٣ فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرقية سنه ١٢١٩ هـ‍.
(٢) المرجع السابق ج‍ ١ ص ١٥٦ نفس الطبعة.