للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرطها النية والنية لا تمكن منه، ولا قضاء عليه المجنون اذا أفاق لعدم لزومها، وكذا الأبله (١) الذى لا يفيق ذكره السامرى وغيره كالمجنون.

ولا يعتد بالأذان ان فرق بينه بسكوت طويل ولو بسبب نوم أو اغماء أو جنون (٢).

وجاء فى المغنى والشرح الكبير أنه متى أغمى جميع النهاد على من نوى الصيام من الليل فلم يفق فى شئ منه لم يصح صومه فى قول امامنا والشافعى رحمهما الله تعالى خلافا لأبى حنيفة رحمه الله تعالى ويدل لنا أن الصوم هو الامساك مع النية قال النبى صلى الله عليه وسلم (يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له الا الصيام فانه لى وأنا أجزى به يدع طعامه وشرابه من أجلى) متفق عليه فأضاف ترك الطعام والشراب اليه، فاذا كان مغمى عليه فلا يضاف الامساك اليه فلم يجزئه، ولأن النية أحد ركنى الصوم فلا تجزئ وحدها كامساك وحده، أما النوم فانه عادة ولا يزول الاحساس بالكلية ومتى نبه انتبه، والاغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون اذا ثبت هذا فزوال العقل يحصل بثلاثة أشياء أحدها الاغماء - وحكمه على ما مر - ومتى فسد الصوم به فعلى المغمى عليه القضاء بغير خلاف علمناه لأن مدته لا تتطاول غالبا ولا تثبت الولاية على صاحبه فلم يزل التكليف به وقضاء العبادات كالنوم، ومتى أفاق المغمى عليه فى جزء من النهار صح صومه سواء كان فى أوله أو فى آخره.

وقال الشافعى رحمه الله تعالى فى أحد قوليه تعتبر الافاقة فى أول النهار ليحصل حكم النية فى أوله.

ويدل لنا أن الافاقة حصلت فى جزء من النهار فأجزأ كما لو وجدت فى أوله، وما ذكروه لا يصح فان النية قد حصلت من الليل فيستغنى عن ذكرها فى النهار كما لو نام أو غفل عن الصوم ولو كانت النية انما تحصل بالافاقة فى النهار لما صح منه صوم الفرض بالافاقة لأنه لا يجزئ نية من النهار.

الثانى مما يحصل به زوال العقل النوم، وهو لا يؤثر فى الصوم سواء وجد فى بعض النهار أو فى جميعه.

الثالث: الجنون وحكمه حكم الاغماء الا أنه اذا وجد فى جميع النهار لم يجب قضاؤه، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: متى أفاق المجنون فى جزء من رمضان لزمه قضاء ما مضى منه لأنه أدرك جزءا من رمضان وهو عاقل فلزمه صيامه كما لو أفاق فى جزء من اليوم، ويدل لنا أنه معنى يمنع الوجوب اذا وجد فى جميع الشهر فمنعه اذا وجد فى جميع النهار كالصبا والكفر، وأما ان أفاق فى بعض اليوم قلنا منع فى وجوبه، وان سلمناه فانه قد أدرك بعض وقت العبادة فلزمه كالصبى اذا بلغ والكافر اذا أسلم فى بعض النهار وكما لو أدرك بعض وقت الصلاة.

وقال الشافعى رحمه الله تعالى: اذا وجد الجنون فى جزء من النهار أفسد الصوم لأنه معنى يمنع وجوب الصوم فأفسده وجوده فى بعضه كالحيض، ويدل لنا أن زوال عقل فى بعض النهار فلم يمنع صحة الصوم كالاغماء والنوم، ويفارق الحيض فان الحيض لا يمنع الوجوب، وانما يجوز تأخير الصوم ويحرم فعله ويوجب الغسل ويحرم الصلاة والقراءة واللبث فى المسجد والوط‍ ء فلا يصح قياس الجنون عليه (٣).


(١) يقال بله بلها كتعب تعبا، وتباله أى أرى من نفسه ذلك وليس به، ويقال الأبله أيضا من غلبت عليه سلامة الصدر، وفى الحديث أكثر أهل الجنة البله قال الجوهرى يعنى البله فى أمر الدنيا لقلة اهتمامهم بها وهم أكياس فى أمر الآخرة.
(٢) كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور ج‍ ١ ص ١٥٦، ص ١٥٧.
(٣) المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن محمد ابن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج‍ ٣، ص ٣٣ فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر بن أبى محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٦ هـ‍.