للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يصح الاعتكاف من المجنون (١)، ولا يبطل باغماء كما لا يبطل بنوم بجامع بقاء التكليف (٢).

وان تعذر على المعتكف المقام فى المسجد لمرض لا يمكنه المقام معه فيه كالقيام المتدارك أو سلس البول أو الاغماء أو لا يمكنه المقام الا بمشقة شديدة مثل أن يحتاج الى خدمة وفراش له الخروج وان كان المرض خفيفا كالصداع ووجع الضرس ونحوه فليس له الخروج فان خرج بطل اعتكافه (٣). وان سكر المعتكف ولو ليلا بطل اعتكافه لخروجه عن كونه من أهل المسجد كالمرأة تحيض ولا يبنى اذا زال سكره لأنه غير معذور بخلاف المرأة تحيض، وان شرب المعتكف مسكرا ولم يسكر لم يفسد اعتكافه لأنه لا يخرج بذلك عن أهليته له (٤).

ويشترط‍ فى وجوب الحج أن يكون عاقلا لأن المجنون ليس بمكلف وقد روى عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ‍، وعن الصبى حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل، رواه أبو داود وابن ماجه، والترمذى وقال حديث حسن، وكما لا يجب الحج على مجنون لا يصح منه لأنه ليس من أهل العبادات (٥)، فاذا أفاق المجنون قبل الوقوف بعرفة أو فى وقته وأمكنه أن يأتى بالحج لزمه ذلك لأن الحج واجب على الفور فلا يجوز تأخيره مع امكانه وان فاته الحج لزمته العمرة لأنها واجبة أمكن فعلها فأشبهت الحج ومتى أمكنه ذلك فلم يفعله استقر الوجوب عليه سواء كان موسرا أو معسرا لأن ذلك وجب عليه بامكانه فى موضعه فلم يسقط‍ بفوات القدرة بعده، ولا يصح احرام المجنون واذا أحرم لم ينعقد احرامه لأنه من غير أهل العبادات ويكون حكمه حكم من لم يحرم (٦). واذا أغمى على بالغ لم يصح أن يحرم عنه رفيقه لأنه بالغ فلم يصر محرما باحرام غيره كالنائم ولو أنه أذن فى ذلك وأجازه لم يصح فمع عدم هذا أولى ان لا يصح (٧).

وكيفما حصل بعرفة وهو عاقل أجزأه سواء كان قائما أو جالسا أو راكبا أو نائما وان مر بها مختارا فلم يعلم انها عرفة أجزأه لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا) ولأنه حصل بعرفة فى زمن الوقوف وهو عاقل فأجزأه كما لو علم، وان وقف وهو مغمى عليه أو مجنون ولم يفق حتى خرج منها لم يجزئه وهو قول الحسن والشافعى وأبى ثور واسحاق وابن المنذر رحمهم الله تعالى.

وقال عطاء فى المغمى عليه يجزئه وهو قول مالك وأصحاب الرأى رحمهم الله تعالى، وقد توقف أحمد رحمه الله تعالى فى هذه المسئلة وقال الحسن يقول بطل حجه وعطاء يرخص فيه وذلك لأنه لا يعتبر له نية ولا طهارة ويصح من النائم فصح من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة.

ومن نصر الأول قال ركنا من أركان الحج فلم يصح من المغمى عليه كسائر أركانه قال ابن عقيل رحمه الله تعالى:

والسكران كالمغمى عليه لأنه زائل العقل بغير نوم فأشبه المغمى عليه وأما النائم فيجزئه الوقوف لأنه فى حكم المستيقظ‍ (٨). ولا يجب الحج على المجنون كالعمرة ولا يصح منه الحج ولا العمرة ان عقده بنفسه أو عقده له وليه على ما تقدم ذكره، ولا تبطل استطاعة الحج بجنونه فيحج


(١) كشاف القناع عن متن الاقناع ج‍ ١ ص ٥٣٠ الطبعة السابقة.
(٣) المرجع السابق ج‍ ١ ص ٥٣٢ الطبعة السابقة.
(٤) المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى ج‍ ٣ ص ١٤٦ الطبعة السابقة.
(٥) كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج‍ ١ ص ٥٣٩ الطبعة السابقة.
(٦) المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى ج‍ ٣ ص ١٦١ الطبعة السابقة.
(٧) المرجع السابق ج‍ ٣ ص ٢٠١ نفس الطبعة.
(٨) المرجع السابق ج‍ ٣ ص ٢٠٥ نفس الطبعة.