وجاء فى الشرح الكبير أن الرواية اختلفت عن أحمد رحمه الله تعالى فى طلاق السكران فروى عنه أنه يقع - اختارها أبو بكر الخلال والقاضى وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد رحمهم الله تعالى - لقول النبى صلى الله عليه وسلم: (كل الطلاق جائز الا طلاق المعتوه).
وروى مثل هذا عن على ومعاوية وابن عباس رضى الله عنهم، قال ابن عباس:
طلاق السكران جائز ان ركب معصية من معاصى الله نفعه ذلك، ولأن الصحابة جعلوه كالصاحى فى الحد بالقذف بدليل ما روى أبو دبرة الكلبى قد أرسلنى خالد الى عمر فأتيته فى المسجد وعنده عثمان وعلى وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت ان خالدا يقول ان الناس انهمكوا فى الخمر وتحاقروا العقوبة، قال عمر رضى الله تعالى عنه:
هؤلاء عندك فسلهم، فقال على كرم الله تعالى وجهه نراه اذا سكر هذى واذا هذى افترى، وعلى المفترى ثمانون، فقال عمر:
أبلغ صاحبك ما قال: فجعلوه كالصاحى، ولأنه ايقاع طلاق من مكلف غير مكره صادف ملكه فوجب أن يقع كطلاق الصاحى ويدل على تكليفه أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون والرواية الثانية:
لا يقع طلاقه، اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان رضى الله تعالى عنه ومذهب عمر بن عبد العزيز والقاسم وطاووس وربيعة ويحيى الأنصارى رضى الله تعالى عنهم، قال ابن المنذر:
هذا ثابت عن عثمان لا نعلم أحدا من الصحابة خالفه، وقال أحمد رحمه الله تعالى:
حديث عثمان أرفع شئ فيه وهو أصح يعنى من حديث على وحديث الأعمش عن منصور ولا يرفعها على، ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم ولأنه مفقود الارادة أشبه المكره، ولأن العقل شرط التكليف اذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهى ولا يتوجه ذلك الى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل ان من كسر ساقه جاز له أن يصلى قاعدا ولا ضربت المرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة ولو ضربت رأسه فجن سقط التكليف.
وحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه لا يثبت فأما قتله وقذفه وسرقته فهو كمسئلتنا.
والحكم فى عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته واقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم فى طلاقه لأن المعنى فى الجميع واحد، وقد روى عن أحمد رحمه الله تعالى فى بيعه وشرائه الروايتان.
وسأله ابن منصور رحمه الله تعالى اذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو اشترى أو باع فقال أخبر عنه لا يصح من أمر السكران شئ وقال أبو عبد الله بن حامد رحمه الله تعالى:
حكم السكران حكم الصاحى فيما له وفيما عليه أما فيما له وعليه كالبيع والنكاح والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شئ، وقد أومأ اليه أحمد رحمه الله تعالى، والأولى أن ماله أيضا لا يصح منه لأن تصحيح تصرفاته مما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح له وكذلك الحكم فيمن شرب أو أكل ما يزيل عقله لغير حاجة وهو يعلم قياسا على السكران فى وقوع طلاقه.
وبهذا قال أصحاب الشافعى رحمهم الله تعالى - لأنه زال عقله فأشبه السكران، وقال أصحاب أبى حنيفة رحمهم الله تعالى لا يقع طلاقه لأنه لا يلتذ بشربها (١).
(١) الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى ج ٨ ص ٢٣٨ وما بعدها الى ص ٢٤٠ فى كتاب أسفل المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى الطبعة السابقة.