ويرجع فى تلك الحادثة الى حكم العقل هذا قول محققى المعتزلة وقيل بل ويقلد الأعلم ان كان عنده غيره أعلم منه فى العلوم كلها الفن الذى تلك الحادثة منه.
وقيل يتخير واحدا من الأدلة فيعمل به وقد مر بيان ذلك فى بيان التراجيح والصحيح أنه يكون فى تلك القضية بمنزلة الجاهل فيجب عليه اذا شاء العمل أن يأخذ بقول غيره فيها كما يجب ذلك على الضعيف ويلزم المجتهد البحث فيما استدل به عن ناسخه ومخصصه أى ان كان نصا لم يستدل به حتى يعلم أو يظن أنه غير منسوخ ولا متأول بتأويل يخالف ظاهره وان كان عموما فيبحث عن كونه مخصصا أم غير مخصص.
وحكى عن الصيرفى أنه لا يجب البحث عن ذلك بل يستغنى بما حضر فى ذهنه قال صاحب المنهاج واذا وجب البحث فاعلم أنه ليس يجب عليه استقصاء الأخبار بل يكفى البحث فى كتاب جامع لأخبار الأحكام.
وجملة الأمر ان البحث على وجهين.
أحدهما: أن يوجب عليه استقصاء الأخبار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعلم أو يظن انه لم يبق شئ مما روى عنه الا وقد أطلع عليه فلم يجد فيها ما يخصص دليله أو ينسخه والتكليف بذلك شاق غاية المشقة.
بل لو قيل متعذر لم يبعد لكثرة الرواية عنه صلى الله عليه وسلم والرواة حتى خرجت كثرة ذلك عن حد الضبط فى تصحيح الرواية بالتعديل للرواة والنظر فى المجروح والمعدل ومعرفة أحوالهم.
قال وهذا الوجه لم يوجبه أهل التحقيق من علماء الأصول والفروع الى أن قال والوجه الثانى أنه لا يجب عليه البحث الا فيما قد ظهر تصحيحه الى أن قال ثم أنه لا يجب عليه البحث فيما عدا الآيات والأخبار الواردة فى الأحكام الخمسة وقد جمعها أهل الحديث فى كتب منفردة وزعموا أنهم قد استقصوا فيها ما يتعلق بالأحكام حتى لم يبق شئ يدل بمنطوقه ولا مفهومه على حكم شرعى الا وقد ذكروه فيما أفردوه للأحكام.
فحينئذ لا يلزم البحث فى غيرها لأن أخبارهم مثلا بأن هذا الكتاب قد أحاط بأخبار الأحكام يفيد الظن القوى لظهور عدالتهم واطلاعهم.
وحينئذ لا يجب على المجتهد البحث عن المعارض فى النصوص بل اذا قال مصنف الكتاب أنه قد أورد فى كل باب ما يتعلق به من الأخبار لم يلزمه البحث الا فى ذلك الباب لا فى غيره من أبواب ذلك الكتاب.
فى ظنه ان غلب فى ظنه صحة ما ادعاه وذلك حيث لا يكون للمسألة تعلق ببابين أو ثلاثة فان تعلقت كذلك بحث فى كل باب لها به تعلق فهذا هو الذى يلزم المجتهد البحث فيه من الأخبار.
قال واما اذا استدل بالقياس فتعارضت عليه الأشباه فالواجب عليه أن لا يبحث عن كل ما يجوز تعلق ذلك الفرع به من الأصول حيث كان له شبه بأصول متعددة أو تعارضت العلل التى يحتمل التعليق بها فيرجع الى التراجيح بين الأشباه فما حصلت فيه أغلبية الشبه عمل بها.
وكذلك فى ترجيح العلل يعمل به حتى يرجح ما يختاره فهذا هو الذى يلزم المجتهد فى اجتهاده هذا كلامه مع حذف بعضه وهو ظاهر الحسن.
واعلم أنه اذا تكررت الواقعة من المسائل الاجتهادية وكان قد اجتهد فيها وأداه نظره فيها الى حكم لم يلزمه عند تكررها تكرير النظر فى وجه استنباطه بل يكفيه النظر الأول اذا كان ذاكرا لما كان قضى به رأيه فيها.
وقال صاحب الملل والنحل بل يلزمه تكرير النظر لأنه يجوز أن يؤديه نظره الثانى الى أقوى من اجتهاده الأول بخلاف المسائل العلمية.