للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحاكم والمفتى مجتهدا بالفعل فى أشخاص مسائل الاستفتاء وفصل الخصومات.

ولا يكفى مجرد تمكنه من الاجتهاد فيها لأن الحكم والافتاء أخبار عما علمه الحاكم.

والمفتى من حكم الله وظنه والأخبار عن الله لا عن دليل ولا امارة افتراء على الله وقد قال الله تبارك وتعالى «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ١ أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ»}.

ولا يخفى أن أول مطلوب فى أى حكم هو الاستناد الى العلم سواء كان من الكتاب أو من السنة فالعلم به ضرورى (٢)، وجاء أجرؤكم عن الفتيا أجرؤكم على النار فلا بد أن يكون المنصوب للفتيا مجتهدا بالفعل فى كثير من الأحكام فيجب أن يكون له كمال أهلية الاجتهاد وكمال الممارسة لموارد الأدلة لاشتراط‍ قراءته للقرآن وفقه وأن يكون قد ظهر وتبين كمال اجتهاده الفعلى فى كثير من الأحكام ليتحقق كمال الأهلية لأن المطلوب من الانتصاب للفتيا هو بيان الأحكام الشرعية وغير الممارس وان كانت ملكته قوية يكاد أن يخفى عليه ما هو المتعين للاستناد اليه من الأدلة المعارضة لما استند اليه من تقدمه فى النظر فى دليل الحكم لجواز وجود مخصص للعام أو مقيد للمطلق ونحو ذلك.

وهذا القدر يعترف به كل من جود النظر وكان كامل الأهلية عالى الهمة يقظان ولا يكفى كونه أصوليا وهو المعبر عنه بالمتمكن من الاجتهاد، لأن مجرد تحصيل الأدلة بدون استعمال لها غير مغن لكثرة خطأ غير الممارس أى صناعة كانت كما ذلك معلوم ولا بد أن يكون مستعينا بكثرة الممارسة للفروع المدونة بجميع فتاوى السلف وأقوال العلماء من الخلف وان كان ذلك غير شرط‍ فى الاجتهاد لأنه يزيد المنتصب للفتيا كمالا وثباتا.

وفى الروضة البهية (٣).

لا بد أن يكون للمفتى قوة يتمكن لها من رد الفروع الى أصولها واستنباطها منها وهذه هى العمدة فى هذا الباب وتلك القوة بيد الله سبحانه وتعالى يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده.

ولكثرة المجاهدة والممارسة لأهلها مدخل عظيم فى تحصيلها قال الله تبارك وتعالى «وَالَّذِينَ جاهَدُوا ٤» فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»}.

ثم قال فى الروضة (٥) البهية: ولا بد للمفتى من الاجتهاد فى الأحكام الشرعية وأصولها ويتحقق بمعرفة المقدمات الست وهى الكلام والأصول والنحو والتصريف ولغة العرب وشرائط‍ الأدلة والأصول الأربعة وهى الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل.

وفى طلعة الشمس (٦): يلزم المجتهد أن ينظر فى الأدلة ويستخرج حكم القضية فى حالتين:

احداهما اذا سأله سائل عن رأيه فى تلك القضية وكان السئل محتاجا للعمل فيها.

والحالة الأخرى ما اذا شاء المجتهد أن يعمل فى شئ مما يصح الخلاف فيه فانه يلزمه أن ينظر فى أقوى الامارات ويأخذ بمقتضى أرجحهما فان تعارضت معه الأدلة ولم يمكنه الترجيح وجب عليه الوقوف ويلتمس الأرجح ان رجى حصوله فان غلب فى ظنه عدم وجود الأرجح فقيل يطرحها جميعا.


(١) الآية رقم ٢١ من سورة الانعام.
(٢) انظر تتمة الروض النضير ص ١٤٦، ص ١٤٧ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٣) انظر كتاب الروضة البهية شرح للمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العامى ج‍ ١ ص ٢٣٧ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٤) الآية رقم ٦٩ من سورة العنكبوت.
(٥) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج‍ ١ ص ٢٣٦ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٦) انظر طلعة الشمس ج‍ ٢ ص ٢٨٥ وما بعدها الطبعة السابقة.