للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو انتهره أو سكت عنه، فحرام على السائل أن يأخذ بفتياه وفرض عليه أن يسأل غيره من العلماء وأن يطلبه حيث كان، اذ انما يسأل المسلم من سأل من العلماء عن نازلة تنزل به ليخبره بحكم الله تعالى وحكم محمد صلى الله عليه وسلم فى ذلك وما يجب فى دين الاسلام فى تلك المسألة.

ولو علم أنه يفتيه بغير ذلك لتبرأ منه وهرب عنه وفرض على الفقيه اذا علم أن الذى أفتاه به هو نص القرآن الكريم والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الاجماع أن يقول له: نعم هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرام عليه أن ينسب الى الله تعالى أو الى رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا قاله بقياس أو استحسان أو تقليد لأحد دون النبى صلى الله عليه وسلم فانه ان فعل ذلك كان بذلك كاذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقولا ما لم يقل، وقد وجبت له النار يقينا بنص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كذب على فليلج النار».

وهذا الذى قلنا لا يعجز عنه أحد، وان بلغ الغاية فى جهله لأنه لا يكون أحد من الناس مسلما حتى يعلم أن الله تعالى ربه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن عبد الله رسول الله بالدين القيم.

وفى شرح الأزهار وهامشه (١): والتزام مذهب امام معين كالهادى والقاسم وغيرهما من مجتهدى أهل البيت وغيرهما من مجتهدى غير أهل البيت حيا كان أو ميتا فان ذلك أولى من ترك الالتزام والدليل على ذلك الاجماع المعنوى من جهة الصحابة وهو أن العوام كانوا يسألون من صادفوه منهم من دون التزام لهم فى ذلك ولا انكار على من لم يلتزم منهم مذهبا معينا كما هو معلوم وانما كان الالتزام أولى لأن من العلماء المجتهدين من قال بوجوبه ومنهم المنصور بالله والشيخ حسن الرصاص حيث قالا نحب الالتزام ونحرم الأخذ بقول عالم قد قلد غيره فى أى الأحكام وان لم يلتزم مذهبه جميعا بل أوجبا أن يتبع الأول فى رخصه وعزائمه فيكون الملتزم معيبا عند العلماء القائلين بالتقليد فكان أولى لموافقته الاجماع وقد ذكر معنى هذا البكرى.

ثم قال صاحب شرح الأزهار: ولا يجب الالتزام بل يجوز أن يقلد هذا فى حكم وهذا فى حكم آخر، ولا يجمع مستفت بين قولين مختلفين فى حكم واحد احترازا من الحكمين فلا يجمع بينهما بحيث يصير الحكم الذى فيه القولان على صورة لا يقول بها امام منفرد كنكاح خلا عن ولى عملا بقول الامام أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعن شهود عملا بقول الامام مالك رحمه الله تعالى فان الطرفين وان قال بكل واحد منهما امام لكنهما فى حكم واحد وهو النكاح.

ولو سئل الامام أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن صحته قال ليس بصحيح لعدم الشهود.

ولو سئل الامام مالك رحمه الله تعالى عنه قال ليس بصحيح لعدم الولى فلا يكون فى هذا النكاح مقلدا لواحد من الامامين لأن كل واحد منهما يقول بفساده.

قال الامام شرف الدين (٢) عليه السلام العامى اما ملتزم أو مقلد أو مستفتى لأنه ان نوى الالتزام لقول امام معين فهو الملتزم وان لم ينو فان عمل بقول امام فهو المقلد ولا يلزمه حكم الملتزم وان سأل الامام فقط‍ ولما يعمل بقوله فهو المستفتى وله أن يعمل بأى أقوال المفتين شاء.

والمستفتى أعم من المقلد والمتلزم كما يفهم من التقسيم المذكور.


(١) انظر شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار للعلامة الحسن ابن عبد الله بن متاح ج‍ ١ ص ١٧ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) انظر شرح الأزهار السابق وهامشه ج‍ ١ ص ١٨، ص ١٩ وما بعدهما الطبعة السابقة