للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخذ ذلك من التجار أو من الصناع مثلهم (١)

تضمين الصناع، وضمان القيمة عند الضمان يوم التلف فى موضعه

الصناع أجراء كغيرهم من العاملين الذين يستأجرون لأعمالهم ولذا كان الأصل فيهم كما قال ابن رشد أن لا ضمان عليهم وانهم مؤتمنون لأنهم اجراء وقد أسقط‍ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الضمان عن الأجير ولكن العلماء قد خصوا ذلك بالصناع فلم يتناولهم هذا الحكم نظرا واجتهادا مراعاة للمصلحة العامة وضرورة الناس ولهذا قال مالك أنهم ضامنون لما غابوا عليه وادعوا تلفه ولم يعلم ذلك الا منهم ولكن لا ضمان عليهم فيما ثبت ضياعه ببينة من غير تضييع وتابعه على ذلك جميع أصحابه الا أشهب فانه قد ضمنهم وان قامت البينة على التلف ولقوله حظ‍ من النظر لأنه كما وجب أن يضمنوا للمصلحة العامة لم يسقط‍ الضمان عنهم بالبينة حسما للذريعة لأن ما طريقه المصالح وقطع الذرائع لا يخصص فى موضع دون موضع وقول مالك أصح (٢).

وانما يضمن الصانع ما كان له فيه صنعة لا غيره ولو كان فى حاجة الى حضوره معه كالكتاب ينسخ منه الناسخ. وقال ابن شاس قال محمد: يضمن الصانع أيضا ما لا صنعة له فيه اذا كان مما لا يستغنى عن حضوره عند الصانع كالكتاب الذى ينسخ منه لا ما يستغنى عنه كأحد زوجى الحذاء اذا أحضره مع الآخر الذى يريد اصلاحه والى هذا ذهب أشهب فى سماعه. وقال سحنون لا ضمان عليه فى ذلك كله. وقد اختلف الشيوخ فى طريقة تقويم الذى يجب عليه ضمان هل يقوم وحده على أنه لا صاحب له أو يقومان معا ثم يقوم الباقى منهما وحده والفرق قيمة الضمان. وسياق فى هذا الحكم أن يكون عمل الصانع فى بيته أو فى حانوته وان يكون عمله بأجر أم بغير أجر وسواء كان التلف بصنعته فيه أم بغير صنعته ما لم يكن فى صنعته تغرير أى تعريض للاتلاف. كنقش الفصوص ونقش اللؤلؤ فلا ضمان الا أن يتعدى فى ذلك فيضمن هذا ويشترط‍ لضمان الصانع مصنوعه شروط‍ منها أن ينصب نفسه فى صنعته هذه لعامة الناس.

قال اللخمى وانما يعد كذلك اذ أقام معيشته التى امتهنها واستعملها سواء أكان يعمل فى سوقها أم فى داره اما من لم يقم نفسه عليها ولا منها معاشه فلا يعد أنه ينصب نفسه عليها. وبناء على ذلك اذا كان أجيرا خاصا فى هذا العمل لشخص أو لجماعة مخصوصين فلا ضمان عليه ومنها أن يغيب على الذات المصنوعة اما اذا لم يغب عليها بأن عملها فى بيت ربها بحضرته أو غائبا أو فى غير بيته بحضرته فلا ضمان وعلى ذلك فالمراد بالغيبة عليها الا يعملها بحضرة ربها أو فى بيته ومنها أن يكون مصنوعه مما يغاب عليه أما لو دفع شخص غلامه لمن يعلمه وقد نصب نفسه لذلك وغاب عليه وادعى هربه لم يكن عليه ضمان ومنها ألا يكون فى الصنعة تغرير أى تعريض للاتلاف فاما ان كان فيها تغرير كثقب اللؤلؤ فلا ضمان عليه واذا ضمن الصانع فانما يضمن ذلك الشئ الذى تلف عنده


(١) الشرح الكبير للدردير والدسوقى عليه ج‍ ٤ ص ٢٤ وما بعدها الى ص ٢٧ والمواق ج‍ ٥ ص ٤٢٩ هامش الحطاب. الحطاب ج‍ ٥ ص ٤٢٨ وما بعدها.
(٢) المواق ج‍ ٥ ص ٤٣٠.