للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ان القاضى فى زماننا ملجأ الى الحكم بعد الفتوى لأنه لو ترك يلام لأنه غير عالم حتى يقضى بعلمه بزازية قبيل الشهادات قلت.

وفيه نظر فان هذا لا يسمى الجاء حقيقة والا لزم أن تنقطع النسبة عن المباشر الى المتسبب.

كما لو أكره رجل آخر باتلاف عضو على أخذ مال انسان فان الضمان على المكره بالكسر لصيرورة المكره بالفتح كالالة.

ولو شك أن ما هنا ليس كذلك فلم تنقطع النسبة عن المباشر وهو القاضى.

وان اثم المسبب وهو المفنى ولا يقاس هذا على مسألة تضمين الساعى الى ظالم مع أى الساعى متسبب لا مباشر فان تلك مسألة استحسانية خارجة عن القياس زجرا عن السعاية.

لكن قد يقال ان هذا حكم الضمان فى الدنيا والكلام فى الخصومة فى الآخرة.

ولا شك أن كلا من المباشر والمتسبب ظالم آثم وللمظلوم الخصومة معها.

وان اختلف ظلمهما فان المباشر طلمه أشد كمن أمسك رجلا حتى قتله آخر.

وفى الحطاب (١): من أفتى رجلا فأتلف بفتواه ما لا فان كان مجتهدا.

فلا شئ عليه والا فقال المازرى يضمن ما تلف ويجب على الحاكم التغليظ‍ عليه.

وان أدبه فأهل الا أن يكون تقدم له اشتغال بالعلم فيسقط‍ عنه الأدب وينهى عن الفتوى اذا لم يكن أهلا.

ونقل البرزلى عن ابن رشد فى أوائل النكاح عن الشعبى.

انه يضمن قال وهذا عندى فى المفتى الذى يجب تقليده المنتصب لذلك.

وأما غيره فكالغرور بالقول ويجرى على أحكامه فتحصل أن المفتى المغتصب لذلك يضمن.

ولعل ابن رشد لا يخالف فيه لأن هذا يحكم بفتواه فهو كالشاهد يرجع عن الشهادة.

وأما غير المنتصب ففيه قولان لابن رشد والمازرى، وفى المجموع (٢).

اذا أفتى المفتى بشئ ثم رجع عنه فان علم المستفتى برجوعه.

ولم يكن عمل بالأول لم يجز العمل به وكذا ان نكح بفتواه.

واستمر على نكاح بفتواه ثم رجع لزمه مفارقتها كما لو تغير اجتهاد من قلده فى القبلة أثناء الصلاة.

وان كان عمل قبل رجوعه فان خالف دليلا قاطعا لزم المستفتى نقض عمله ذلك.

وان كان فى محل اجتهاد لم يلزمه نقضه لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.

وهذا التفصيل ذكره الصيمرى والخطيب وأبو عمرو واتفقوا عليه.

ولا أعلم خلافه وما ذكره الغزالى والرازى ليس فيه تصريح بخلافه.

قال أبو عمرو واذا كان يفتى على مذهب امام فرجع لكونه بأن له قطعا مخالفة.


(١) انظر مواهب الجليل شرح مختصر أبى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج‍ ١ ص ٣٣ وما بعدها طبع مطبعة السعادة سنة ١٣٢٨ هـ‍ الطبعة الأولى.
(٢) انظر المجموع شرح المهذب للنووى ج‍ ١ ص ٣٣ وما بعدها طبع مطابع مطبعة التضامن الأخوى.