للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما شاهدناه كثيرا، والحاصل أن غفلة المفتى يلزم منها ضرر عظيم فى هذا الزمان.

وقال فى الدر المختار (١) ولا يشترط‍ حريته أى فهو كالراوى لا كالشاهد والقاضى ولذا تصح فتواه لمن لا تقبل شهادته له ولا تشترط‍ ذكورته ونطقه فيصح افتاء الاخرس لا قضاؤه فيكتفى بالاشارة منه وذلك حيث فهمت اشارته والأصح أنه يصح فتوى الأطرش وهو من يسمع الصوت القوى.

قال ابن عابدين: لا شك أنه اذا كتب له وأجاب عنه جاز العمل بفتواه وأما اذا كان منصوبا للفتوى يأتيه عامة الناس ويسألونه من نساء وأعراب وغيرهم فلا بد أن يكون صحيح السمع لأنه يمكن كل سائل أن يكتب له سؤاله وقد يحضر اليه الخصمان ويتكلم أحدهما بما يكون فيه الحق عليه لا له والمفتى لم يسمع ذلك منه فيفتيه على ما سمع من بعض كلامه فيضيع حق خصمه وهذا قد شاهدته كثيرا فلا ينبغى التردد فى أنه لا يصلح أن يكون مفتيا عاما ينتظر القاضى جوابه ليحكم به فان ضرر مثل هذا أعظم من نفعه.

ويصح أن يفتى القاضى - ولو فى مجلس القضاء - من لم يخاصم اليه.

قال فى الظهيرية ولا بأس للقاضى أن يفتى من لم يخاصم اليه ولا يفتى أحد الخصمين فيما خوصم اليه.

وفى الخلاصة القاضى هل يفتى؟ فيه أقاويل والصحيح أنه لا بأس به فى مجلس القضاء وغيره فى الديانات والمعاملات، قال ابن عابدين ويمكن حمل ما فى الخلاصة على من لم يخاصم اليه فيوافق ما فى الظهيرية، وفى كافى الحاكم:

وكره للقاضى أن يفتى فى القضاء للخصوم كراهة أن يعلم خصمه قوله فتحرز منه بالباطل (٢).

وفى البحر الرائق: ويشترط‍ أهلية اجتهادة ثم قال وحاصل شرائط‍ المجتهد (٣) الاسلام والبلوغ والعقل وكونه فقيه النفس بمعنى شديد الفهم بالطبع وعمله باللغة العربية أى الصرف والنحو والمعانى والبيان والأصول وكونه حاويا لعلم كتاب الله تعالى وما يتعلق بالأحكام وكونه عالما بالحديث متنا وسندا وناسخا ومنسوخا.

ولا يشترط‍ فيه بعد صحة العقيدة علم الكلام ولا تفاريع الفقه ولا الذكورة ولا الحرية ولا العدالة فللفاسق الاجتهاد ليعمل بنفسه وأما غيره فلا يعمل به ويشترط‍ كونه عالما بوجوه القياس.

وفى الحقيقة اشتراط‍ علمه بالأصول يغنى عنه ولا بد من معرفة الاجماع ومواقعه ومن معرفة عادات الناس (٤) ثم قال: فلا يغنى الا المجتهد وقد استقر رأى الأصوليين على أن المفتى هو المجتهد فأما غير المجتهد بمن يحفظ‍ أقوال المجتهد فليس مفتيا والواجب عليه اذا سئل أن يذكر قول المجتهد كأبى حنيفة رحمه الله تعالى على جهة الحكاية فعرف أن ما يكون فى زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى بل هو نقل كلام المفتى ليأخذ به المستفتى.

وقال فى كنز الدقائق (٥): والفاسق يصلح مفتيا وقيل لا، قال صاحب البحر: وجه الأول أنه يحذر النسبة الى الخطأ.


(١) انظر الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج‍ ٤ ص ٤١٩ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) انظر البحر الرائق شرح كنز الدقاق لابن نجم ج‍ ٦ ص ٢٨٦ الطبعة السابقة.
(٣) انظر المرجع السابق شرح كنز الدقاق لابن نجيم ج‍ ٦ ص ٢٨٨ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٤) انظر البحر الرائق شرح كنز الدقاق لابن نجيم ج‍ ٦ ص ٢٨٩ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٥) المرجع السابق ج‍ ٦ ص ٢٨٦ وما بعدها الطبعة السابقة.