الشرعية من الكتاب والسنة والكلمات التى تمس الحاجة اليها فى استنباط الأحكام كالاقرارات وألفاظ البيوع والترويج ونحو ذلك لا يشترط فى صحة الاجتهاد معرفة ما فوق ذلك ومن شروطه أيضا أن يكون عالما باللغة أى عارفا بمعانى الكلمات العربية وعارفا بمسمياتها والمشترط معرفته ها هنا من اللغة ما توقف فهم معانى الأدلة والأحكام عليه لا ما عدا ذلك.
ومن شروطه أن يكون عالما بالصرف أى عارفا بتغير أبنية الكلمات العربية وعارفا بمقتضى كل صيغة منها والمشترط معرفته من هذا النوع ما يتوقف فهم معنى الأدلة والأحكام عليه معرفة هذه الأشياء ومن شروطه أن يكون عارفا بالأصول والمراد بها أصول الديانات وأصول الفقه فأما أصول الديانات فهو معرفة العقائد الاسلامية ويشترط منه فى هذا المقام ما يكون حافظا للمجتهد من التلبس بالعقائد الضالة فانه اذا كان متلبسا بالهوى فلا يؤمن منه الغلط فى الفتوى.
فكم من مجتهد من قومنا حمل كثيرا من المسائل على اعتقاده الفاسد وهى صحيحة على قاعدته لكن قاعدته فاسدة وناهيك بقاعدة المعتزلة فى وجوب مراعاة الصلاحية والأصلحية على الله تبارك وتعالى وقد تفرعت عليها عندهم فروع يطول ذكرها أما المحق فى عقائد فانه يؤمن منه ذلك لأنه ان بنى على قاعدته كان بانيا على صواب وان أخطأه فى اجتهاده كان خطؤه غير مخالف للقطعيات لأنها عنده مضبوطة فلا يكون خطؤه خطأ فى الدين وأما أصول الفقه فيشترط منه ما يكون المجتهد متمكنا به من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، وفوق ما ذكرناه لا يكون شرطا فى صحة الاجتهاد لكنه كمال فى حقه ومن شروطه أن يكون عالما بالبلاغة أى عارفا بمطابقة مقتضى الحال فى المخاطبات ومقتدرا على التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة فى الوضوح والخفاء.
والمشترط هنا ما يتوقف فهم معنى الأدلة عليه لا ما فوق ذلك وكذلك يشترط معرفة كل ما لا يستغنى عنه المجتهد فى استنباط الأحكام فينبغى أن يكون عارفا بالسير النبوية لأن فيها معرفة أفعاله وأحواله صلى الله عليه وسلم وان يكون عارفا بسير الصحابة رضوان الله عليهم وأحوالهم لأن الدين ما عليه الصحابة رضى الله تعالى عنهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى» وأن يكون عارفا بأسباب نزول الآيات وأسباب ورود الأحاديث وان يكون عارفا بقواعد التفسير وغير ذلك ولك أن تدخل هذه الأشياء تحت العلم بالكتاب الكريم والسنة الشريفة.
ومن شروطه أن يكون عالما بالكتاب محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه ومجمله ومبنيه ومطلقه ومقيده وغير ذلك من أحكامه وان يكون عارفا بالآيات التى تستخرج منها الأحكام.
ومن شروطه أن يكون عالما بالسنة وبأحكامها وناسخا ومنسوخا وخاصها وعامها وأحادها ومتواترها الى غير ذلك من أحكامها وان يكون عارفا بالأحاديث التى يستنبط منها الأحكام.
قال بعضهم والمشترط من ذلك أن يكون حافظا لها عن ظهر الغيب وهو ظاهر الصواب لأن كثيرا من مجتهدى الصحابة رضى الله تعالى عنهم كانوا لا يحفظون القرآن الكريم على ظهر الغيب وانما يحفظون منه ما شاء الله أن يحفظوا وكذلك كانوا لا يحفظون جميع الأحاديث وانما يحفظون منها ما ينتهى اليهم علمهم ومن شروطه أن يكون عالما بالمسائل التى اجتمعت عليها الأمة لئلا يخالف اجتهاده الاجماع لأن الاجماع أحد الأدلة الشرعية وهو مقدم على القياس فليس للمجتهد أن يخالفه واشترط ابن بركة أن لا يخالف أقوال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم اذا كان فى الحكم قول لهم واشترط بعض أن يوافق بعض أقواله من تقدمه أو يعلم أنها نازلة لم يخص فيها من تقدمه.