للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكون أصح فى بعض الأسرى، فان منهم من له قوة ونكاية فى المسلمين وبقاؤه ضرر عليهم فقتله أصلح، ومنهم الضعيف الذى له مال كثير ففداؤه أصلح، ومنهم حسن الرأى فى المسلمين يرجى إسلامه بالمن عليه أو معونته للمسلمين بتخليص أسراهم والدفع عنهم، فالمن عليه أصلح، ومنهم من ينتفع بخدمته ويؤمن شره فاسترقاقه أصلح والإمام أعلم بالمصلحة فينبغى أن يفوض ذلك اليه.

وإن أسلم (١) الأسير صار رقيقا فى الحال وزال التخيير وصار حكمه حكم النساء، لأنه أسير يحرم قتله فصار رقيقا، كالمرأة إلا أنه لا يفادى به ولا يمن عليه إلا بإذن الغانمين، لأنه صار مالا لهم.

ويحتمل أن يجوز المن عليه، لأنه كان يجوز المن عليه مع كفره فمع إسلامه أولى، لكون الإسلام حسنة يقتضى إكرامه والإنعام عليه لا يمنع ذلك فى حقه ولا يجوز رده إلى الكفار إلا أن يكون له ما يمنعه من المشركين من عشيرة أو نحوها.

وانما جاز فداؤه لأنه يتخلص به من الرق.

فأما إن أسلم قبل أسره فقد حرم قتله واسترقاقه والمفاداة به سواء أسلم وهو فى حصن أو جوف أو مضيق أو غير ذلك، لأنه لم يحصل فى أيدى الغانمين بعد.

ثم قال (٢) فى المغنى: فأما النساء والصبيان فيصيرون رقيقا بالسبى.

ومنع أحمد من فداء النساء بالمال، لأن فى بقائهن تعريضا لهن للإسلام لبقائهن عند المسلمين

وجوز أن يفادى بهن أسارى المسلمين.

لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم فادى بالمرأة التى أخذها من سلمة بن الأكوع ولأن فى ذلك استنقاذ مسلم متحقق إسلامه فاحتمل تفويت غرضية الإسلام من أجله ولا يلزم من ذلك احتمال فواتها لتحصيل المال.

فأما الصبيان فقال أحمد لا يفادى بهم، وذلك لأن الصبى يصير مسلما بإسلام سابيه فلا يجوز رده إلى المشركين.

وكذلك المرأة إذا أسلمت لم يجز ردها إلى الكفار بفداء ولا غيره، لقول الله تعالى: «فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ٣»، ولأن فى ردها اليهم تعريضا لها للرجوع عن الإسلام واستحلال مالا يحل منها.

وان كان الصبى غير محكوم بإسلامه كالذى سبى مع أبويه لم يجز فداؤه بمال. وهل يجوز فداؤه بمسلم؟ يحتمل وجهين.

ثم قال (٤) واذا سبى المشركون من يؤدى إلينا الجزية ثم قدر عليهم ردوا الى ما كانوا عليه ولم يسترقوا وما أخذه العدو منهم من مال أو رقيق رد اليهم إذا علم به قبل أن يقسم ويفادى بهم بعد أن


(١) المغنى لابن قدامة المقدسى ج ١٠ ص ٤٠٢، ٤٠٣ الطبعة السابقة.
(٢) المغنى لابن قدامة المقدسى ج ١٠ ص ٤٠٥، ٤٠٦ الطبعة السابقة.
(٣) الآية رقم ١٠ من سورة الممتحنة.
(٤) المغنى لابن قدامة المقدسى ج ١٠ ص ٤٩٧، ٤٩٨ الطبعة السابقة.