للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفادى بالمسلمين.

ويجب فداء أسرى المسلمين اذا أمكن وبهذا قال عمر بن عبد العزيز.

وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العانى».

وروى سعيد بإسناده عن حبان بن جبلة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن على المسلمين فى فيئهم أن يفادوا أسيرهم ويؤدوا عن غارمهم «وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم»:

«أنه كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم وان يفكوا عانيهم بالمعروف».

وفادى النبى صلى الله عليه وآله وسلم رجلين من المسلمين بالرجل الذى أخذه من بنى عقيل.

وفادى بالمرأة التى استوهبها من سلمة بن الأكوع رجلين.

واذا خلى الكفار (١) الأسير واستحلفوه على أن يبعث اليهم بفدائه أو يعود اليهم نظرت، فإن أكرهوه بالعذاب لم يلزمه الوفاء لهم برجوع ولا فداء لأنه مكره لهم فلم يلزمه ما أكره عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا على».

وان لم يكره عليه وقدر على الفداء الذى التزمه لزمه أداؤه، لقول الله تبارك وتعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ»}.

ولما صالح النبى صلى الله عليه وآله وسلم أهل الحديبية على رد من جاءه مسلما وفى لهم بذلك وقال «إنا لا يصلح فى ديننا الغدر».

ولأن فى الوفاء مصلحة للأسارى وفى الغدر مفسدة فى حقهم، لأنهم لا يأمنون بعده والحاجة داعية اليه فلزمه الوفاء به كما يلزمه الوفاء بعقد الهدنة، ولأنه عاهدهم على أداء المال، فلزمه الوفاء به كثمن المبيع، والمشروط‍ فى عقد الهدنة فى موضع يجوز شرطه.

فأما إن عجز عن الفداء نظرنا.

فان كان المفادى امرأة لم ترجع اليهم ولم يحل لها ذلك، لقول الله عز وجل: «فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ» الآية (٢).

وإن كان رجلا ففيه روايتان:

إحداهما: لا يرجع أيضا، لأن الرجوع إليهم معصية فلم يلزم بالشرط‍ كما لو كان امرأة وكما لو شرط‍ قتل مسلم أو شرب خمر.

والثانية: يلزمه لما ذكرنا فى بعث الفداء، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قد عاهد قريشا على رد من جاءه مسلما ورد أبا بصير وقال «إنا لا يصلح فى ديننا الغدر» وفارق رد المرأة فإن الله تبارك وتعالى فرق بينهما فى هذا الحكم حين صالح النبى صلى الله عليه وسلم قريشا على رد من جاءه منهم مسلما، فأمضى الله ذلك فى الرجال، ونسخه فى النساء.


(١) المغنى لابن قدامة المقدسى ج ١٠ ص ٥٤٨، ٥٤٩ الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ١٠ من سورة الممتحنة.