رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه فقال: يا رسول الله أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال: اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة وما كنت صانعا فى حجك فاصنع فى عمرتك، ولم يأمره بالفدية، فدل على أن الجاهل لا فدية عليه.
فإذا ثبت هذا فى الجاهل ثبت فى الناسى لأن الناسى يفعل وهو يجهل تحريمه عليه. فإن ذكر ما فعله ناسيا أو علم ما فعله جاهلا نزع اللباس وأزال الطيب، لحديث يعلى بن أمية، فإن لم يقدر على إزالة الطيب لم تلزمه الفدية لأنه مضطر إلى تركه فلم تلزمه فدية كما لو أكره على التطيب.
وإن قدر على إزالته واستدام لزمته الفدية، لأنه تطيب من غير عذر فأشبه ما إذا ابتدأ به وهو عالم بالتحريم. وإن مس طيبا وهو يظن أنه يابس وكان رطبا ففيه قولان:
أحدهما: تلزمه الفدية، لأنه قصد مس الطيب.
والثانى: لا تلزمه لأنه جهل تحريمه فأشبه إذا جهل تحريم الطيب فى الإحرام.
فإن حلق الشعر أو قلم الظفر ناسيا أو جاهلا بالتحريم فالمنصوص أنه تجب عليه الفدية، لأنه اتلاف، فاستوى فى ضمانه العمد والسهو، كاتلاف مال الآدمى. وفيه قول آخر مخرج أنه لا تجب لأنه ترفه وزينة. فاختلف فى فدية السهو والعمد كالطيب.
وإن حلق رجل رأس غيره فإن كان بإذنه وجبت عليه الفدية، لأنه أزال شعره بسبب لا عذر فيه، فأشبه إذا حلقه بنفسه.
وإن حلق رجل رأس محرم وهو نائم أو على كره منه فعليه الفدية. وعلى من تجب؟ فيه قولان:
أحدهما: تجب على الحالق، لأنه أمانة عنده، فإذا أتلفه غيره وجب الضمان على من أتلفه كالوديعة إذا أتلفها غاصب.
والثانى: أنها تجب على المحلوق، لأنه هو الذى ترفه بالحلق فكانت الفدية عليه، وللمحلوق مطالبته بإخراجها، لأنها تجب بسببه. فإن مات الحالق أو أعسر بالفدية لم تجب على المحلوق الفدية وأخذها من الحالق وأخرج.
وإن افتدى المحلوق نظرت، فإن افتدى بالمال رجع بأقل الأمرين من الشاة أو ثلاثة آصع. فان أداها بالصوم لم يرجع عليه، لأنه لا يمكن الرجوع به.
ويكره للمحرم أن يحك شعره بأظفاره حتى لا ينتثر شعره، فإن انتثر منه شعره لزمته الفدية.
ويكره أن يفلى رأسه ولحيته، فإن فلى وقتل قملة استحب له أن يفديها.
قال الشافعى رحمه الله تعالى وأى شئ فداها به فهو خير منها.
وإذا حلق (١) المحرم شعر رأسه فكفارته أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام وهو مخير بين الثلاثة
(١) المرجع السابق ج ١ ص ٢١٤ الطبعة السابقة.