للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنى آدم فلا تخلو، إما إن كانت عمدا وإما إن كانت خطأ أو فى معناه، فإن كانت عمدا يقتص منه كما إذا لم تكن رهنا لأن ملك الراهن لا يمنع وجوب القصاص ألا يرى أنه لا يمنع إذا لم يكن رهنا.

وإذا لم يكن الملك مانعا فحق المرتهن أولى لأنه دون الملك سواء قتل أجنبيّا أو الراهن أو المرتهن، لأن القصاص ضمان الدم ولا حق للمولى فى دمه، بل هو أجنبى عنه وكذا للمرتهن من طريق الأولى إذ الثابت له الحق والحق دون الملك فصارت جنايته على الراهن والمرتهن فى حق القصاص، وجنايته على الأجنبى سواء.

وإذا قتل قصاصا سقط‍ الدين لأن هلاكه حصل فى ضمان المرتهن فسقط‍ دينه كما إذا هلك بنفسه، هذا إذا كانت جنايته عمدا فأما إذا كانت خطأ (١) أو ملحقة بالخطإ فإن كانت شبه عمد أو كانت عمدا لكن القاتل ليس من أهل وجوب القصاص عليه بأن كان صبيّا أو مجنونا أو كانت جنايته فيما دون النفس فإنه يدفع أو يفدى لأن هذه الجنايات من العبيد والإماء توجب الدفع أو الفداء، ثم ينظر إن كان العبد كله مضمونا بأن كانت قيمته مثل الدين أو دونه نحو إن تكون قيمة العبد ألفا والدين ألفا، أو كان الدين ألفا وقيمة العبد خمسمائة يخاطب المرتهن أولا بالفداء لأن الفداء يستبقى حق نفسه فى الرهن بتطهيره عن الجناية من غير أن يسقط‍ حق المرتهن، ولو بدئ بالراهن وخوطب بالدفع أو الفداء على ما هو حكم الشرع فربما يختار الدفع فيبطل حق المرتهن ويسقط‍ دينه، فكانت البداءة بخطاب المرتهن بالفداء أولى.

وإذا فداه بالأرش فقد استخلصه واستصفاه عن الجناية، وصار كأنه لم يجن أصلا فيبقى رهنا، كما كان ولا يرجع بشئ مما فدى على الراهن لأنه فدى ملك الغير بغير إذنه، فكان متبرعا فيه فلا يملك الرجوع، كما لو فداه أجنبى، ولأنه بالفداء أصلح الرهن باختياره واستبقى حق نفسه فكان عاملا لنفسه بالفداء فلا يرجع على غيره، وليس له أن يدفع لأن الدفع تمليك الرقبة وهو لا يملك رقبته.

وإن أبى المرتهن أن يفدى يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء لأن الأصل فى الخطاب هو الراهن لأن الملك له، وإنما يبدأ بالمرتهن بخطاب الفداء صيانة لحقه فإذا أبى عاد الأمر إلى الأصل، فإن اختار الدفع بطل الرهن وسقط‍ الدين.

أما بطلان الرهن فلأن العبد زال عن ملكه بالدفع إلى خلف فخرج عن كونه رهنا.

وأما سقوط‍ الدين فلأن استحقاق الزوال حصل بمعنى فى ضمان المرتهن فصار كأنه هلك فى يده، وكذلك إن اختار الفداء لأنه صار قاضيا بما فدى المرتهن، لأن الفداء على المرتهن لحصول الجناية فى ضمانه إلا أنه لما أبى الفداء والراهن محتاج إلى استخلاص عبده ولا يمكنه ذلك إلا بالفداء


(١) المرجع السابق للكاسانى ج ٦ ص ١٦٦ الطبعة السابقة.