للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الجمع بينهما عملا منفى هناك ومع النفى لا يتحقق الاجتماع فيكون رافضا لأحدهما على كل حال. وهنا الجمع بين الحج والعمرة فى حق المكى منهى عنه. ومع النهى يتحقق الجمع، فيجب عليه الدم لجمعه بينهما.

ولكن هذا الدم ليس نظير الدم فى حق الآفاقى إذا قرن بينهما، فإن ذلك نسك يحل التناول منه وهذا جبر لا يحل التناول منه، لأن وجوب هذا الدم بارتكاب ما هو منهى عنه فيكون واجبا بطريق الجبر للنقصان، فلهذا لا يباح التناول منه.

وإن كان طاف للعمرة شوطا أو ثلاثة أشواط‍، ثم أحرم بالحج رفض الحج فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى:

يرفض العمرة لأنه أهل بالحج فأكثر أعمال العمرة باق عليه وللأكثر حكم الكل فكأنه أهل بالحجة قبل أن يأتى بشئ من أعمال العمرة فيرفضها.

وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: إن إحرام العمرة قد تأكد بما أتى من طواف العمرة وإحرام الحج لم يتأكد بشئ من عمله، والمتأكد بأداء العمل أقوى من غير المتأكد، فلهذا يرفض الحجة.

والدليل على أن التأكد يحصل بشئ من الطواف ما بينا فى الآفاقى إذا طاف للحج شوطا ثم أحرم للعمرة كان عليه رفضها لتأكد إحرام الحج بالعمل قبل الإهلال بالعمرة.

بخلاف ما لو أهل بالعمرة قبل أن يأتى بشئ من طواف الحج.

ولو كان المكى طاف للعمرة أربعة أشواط‍ ثم أحرم بالحج، فنقول: إنما أحرم بالحج بعد ما أتى بأكثر طواف العمرة وللأكثر حكم الكل فكأنه أحرم بالحج بعد الفراغ من العمرة فلا يرفض شيئا، ولكن يفرغ من عمرته ومن حجته وعليه دم لأنه صار كالمتمتع وهو منهى عن التمتع، إلا أنه لا يحل له التناول من هذا الدم، لأنه دم جبر كما بينا.

ولو كان هذا الطواف منه للعمرة فى غير أشهر الحج كان عليه الدم أيضا، لأنه أحرم بالحج قبل أن يفرغ من العمرة.

وليس للمكى أن يجمع بينهما، فإذا صار جامعا كان عليه الدم.

ولو كان (١) هذا آفاقيّا لم يكن عليه هذا الدم، لأنه غير ممنوع من الجمع بينهما. قال فى الأصل وعليه دم، لترك الوقت فى العمرة أيضا. وإنما أراد به إذا كان أحرم للعمرة فى الحرم فإن ميقات أهل مكة لإحرام العمرة هو الحل.

ثم قال فى المبسوط‍ (٢): كوفى أهل بحجة وطاف لها، ثم أهل بعمرة، قال: يرفض عمرته، لأنه لو لم يرفضها كان بانيا للعمرة على الحجة. وهذا إذا أهل بعمرة بعرفة.

فإن أهل بها يوم النحر قبل أن يحل بحجته أو بعد ما حل قبل أن يطوف أمر أن يرفضها أيضا.


(١) المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ٤ ص ١٨٣ طبعة الساسى مطبعة السعادة الطبعة الأولى سنة ١٣٢٤ هـ‍.
(٢) المرجع السابق للسرخسى ج ٤ ص ١٨٣ الطبعة السابقة.