للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نصرانيّا فأسلمت فوجدت الحج والعمرة واجبتين على فقرنت بينهما فلقيت نفرا من الصحابة فيهم زيد ابن صوحان وسلمان بن ربيعة رضى الله عنهما، فقال أحدهما لصاحبه: هو أضل من بعيرة، فلقيت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فأخبرته بذلك فقال: ما قالا ليس بشئ هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. وهذا بالنسبة لمن كان خارج الميقات.

أما من هو من أهل المواقيت فقد قال فى المبسوط‍ (١): ليس للرجل من أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة أن يقرن أو أن يتمتع وهم فى ذلك بمنزلة أهل مكة.

أما المكى فليس له أن يتمتع بالنص، لأن الله سبحانه وتعالى قال فى:

«ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» (٢). واختلف العلماء رحمهم الله تعالى فى حاضرى المسجد الحرام.

فقال مالك رحمه الله تعالى هم أهل مكة خاصة.

وقال الشافعى رحمه الله تعالى هم أهل مكة ومن يكون منزله من مكة على مسيرة لا يجوز فيها قصر الصلاة.

ونحن نقول: أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة من حاضرى المسجد الحرام بمنزلة أهل مكة. بدليل أنه يجوز لهم دخول مكة بغير إحرام فلا يكون لهم أن يتمتعوا.

وكما لا يتمتع من هو من حاضر المسجد الحرام فكذلك لا يقرن بين الحج والعمرة، إلا أن المكى إذا كان بالكوفة فلما انتهى إلى الميقات قرن بين الحج والعمرة فأحرم لهما صح ويلزمه دم القران، لأن صفة القارن أن تكون حجته وعمرته متقارنتين يحرم بهما جميعا معا وقد وجد هذا فى حق المكى.

ولو اعتمر هذا المكى فى أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك لا يكون متمتعا، لأن الآفاقى إنما يكون متمتعا إذا لم يلم بأهله بين النسكين إلماما صحيحا والمكى هنا يلم بأهله بين النسكين حلالا إن لم يسق الهدى وكذلك إن ساق الهدى لا يكون متمتعا.

بخلاف الآفاقى إذا ساق الهدى ثم ألم بأهله محرما كان متمتعا.

ولو قرن المكى (٣) بين الحج والعمرة رفض العمرة ومضى فى الحج لأنه ممنوع من الجمع بينهما، فلا بد من رفض أحدهما ورفض العمرة أيسر، لأنها دون الحج فى القوة، لأنه يمكنه أن يقضيها متى شاء. وكذلك إن أحرم أولا بالعمرة ثم أحرم بالحج رفض العمرة، لأن الترجيح بالبداءة بعد المساواة فى القوة، ولا مساواة هنا، فيرفض العمرة على كل حال. وإن مضى فيهما حتى قضاهما أجزاه، لأن النهى لا يمنع تحقق المنهى عنه.

وهذا بخلاف الجامع بين الحجتين والعمرتين،


(١) المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ٤ ص ١٦٩ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ١٩٦ من سورة البقرة.
(٣) المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ٤ ص ١٨٢ وما بعدها الطبعة السابقة.