وقد قال صلى الله عليه وسلم أفضل الحج العج والثج. والثج إراقة الدم، وإذا ثبت أنه دم نسك فما يكون فيه زيادة نسك فهو أفضل.
أما بالنسبة للإفراد (١) مع التمتع فإن التمتع أفضل من الإفراد فى ظاهر الرواية لأن فيه زيادة نسك ولأن فى التمتع جمعا بين العبادتين، فأشبه القران وسفره واقع لحجته وإن تخللت العمرة، لأنها تبع للحج كتخلل السنة بين الجمعة والسعى إليها.
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قارنا، ومعلوم أن ما فعله أفضل خصوصا فى عبادة فريضة لم يفعلها إلا مرة واحدة فى عمره.
ثم رأينا المعنى الذى كان به القران أفضل من الإفراد متحققا فى التمتع دون الإفراد فيكون أفضل منه، وذلك المعنى هو ما يلزم كونه جمعا بين العبادتين فى وقت الحج من زيادة التحقق بالإذعان والقبول للمشروع الناسخ لشرع الجاهلية فى المطلوب رفضه ثم هذا أرفق فوجب دم للشكر:
على أمرين:
أحدهما: إطلاق الارتفاق بالعمرة فى وقت الحج حتى خفت المئونة بالنسبة إلى لزوم إنشاء سفر آخر للعمرة أو التأخير بعد قضاء الأفعال لينشئ أخرى من أدنى الحل، وهذا شكر على أمر دنيوى.
وثانيهما: توفيقه للتحقق بهذا الإذعان الشرعى المطلوب تحقيقه وإظهاره وجعله مظهرا له فإنه أكمل من مجرد اعتقاد الحقية من غير تحقق به بالفعل وهذا يرجع إلى أمر أخروى.
ولهذا تسمعهم يقولون تارة وفق لأداء النسكين، ومرة ترفق بأدائهما فى سفرة واحدة فزادت الفضيلة بشرعية هذا الدم، لأنه زاد فى النسك عبادة أخرى شكرا لا جبرا لنقصان متمكن فيه.
أما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فإن الإفراد أفضل من التمتع، لأن المتمتع سفره واقع لعمرة والمفرد سفره واقع لحجته.
وفى المبسوط قال وعلى رواية ابن شجاع رحمه الله تعالى الإفراد أفضل من التمتع لهذا المعنى أن حجة المتمتع مكية يحرم بها من الحرم والمفرد يحرم بكل واحد منهما من الحل.
ولهذا جعل محمد رحمه الله تعالى الإفراد بكل واحد منهما من الكوفة أفضل لأنه ينشئ سفرا مقصودا لكل واحد منهما.
وقد صح أن عمر رضى الله تعالى عنه نهى الناس عن المتعة فقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى الناس عنهما متعة النساء ومتعة الحج.
وتأويله أنه كره أن يخلو البيت من الزوار فى غير أشهر الحج فأمرهم أن يعتمروا بسفر مقصود فى غير أشهر كى لا يخلو البيت من الزوار فى شئ من الأوقات لا أن يكون التمتع مكروها عنده.
بدليل حديث الصبى بن معبد قال: كنت امرأ
(١) كتاب فتح القدير على الهداية وحواشيها فى كتاب ج ٢ ص ٢١٠ وما بعدها الطبعة السابقة والمبسوط للسرخسى ج ٤ ص ٢٦ وما بعدها الطبعة السابقة.