للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان متمتعا، هو ما فى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى فساق معه الهدى من ذى الحليفة فلما قدم مكة قال للناس أمن كان منكم أهدى فلا يحل من شئ حرم منه حتى يقضى حجة ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليحلل ثم يهل بالحج وليهد. ولم يحلل من شئ حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه.

ثم ساق صاحب فتح القدير (١) كثيرا من الأحاديث التى استدل بها أصحاب كل رأى. ثم ذكر دليل أفضلية القران على الإفراد. فقال: لم يختلف على أنس رضى الله تعالى عنه أحد من الرواة فى أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا. قالوا: اتفق عن أنس رضى الله عنه ستة عشر راويا أنه عليه الصلاة والسلام قرن مع زيادة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان خادمه لا يفارقه حتى أن فى بعض طرقه: كنت آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تفصع بجرتها ولعابها يسيل على يدى وهو يقول: لبيك بحجة وعمرة معا.

وفى صحيح مسلم عن عبد العزيز وحميد ويحيى بن أبى إسحق رضى الله تعالى عنهم أنهم سمعوا أنسا رضى الله تعالى عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما لبيك عمرة وحجّا وغير ذلك من الأحاديث.

وفى المبسوط‍ (٢) قال: وأهل الحديث جمعوا رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا ثلاثين نفرا: فعشرة منهم تروى أنه كان قارنا، وعشرة تروى أنه كان مفردا، وعشرة منهم تروى أنه كان متمتعا.

فنوفق بين هذه الروايات فنقول:

لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا بالعمرة فسمعه بعض الناس ثم رأوه بعد ذلك حج فظنوا أنه كان متمتعا فنقلوا كما وقع عندهم، ثم لبى بعد ذلك بالحج، فسمعه قوم آخرون فظنوا أنه كان مفردا بالحج، ثم لبى بهما فسمعه قوم آخرون فعلموا أنه كان قارنا، وكل نقل ما وقع عنده.

وهو نظير ما روينا من توفيق ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى اختلاف الروايات فى وقت تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم لما وقع الاختلاف فى فعله نصير إلى قوله: وقد قال صلى الله عليه وسلم: أتانى أت من ربى وأنا بالعقيق فقال: صل فى هذا الوادى المبارك ركعتين وقل: لبيك بحجة وعمرة معا. وقال صلى الله عليه وسلم: يا آل محمد أهلوا بحجة وعمرة معا. ولأن فى القران معنى الوصل والتتابع فى العبادة ومعنى الجمع بين العبادتين وهو أفضل من إفراد كل واحد منهما كالجمع بين الصوم والاعتكاف والجمع بين الحراسة فى سبيل الله تعالى مع صلوات الليل، ولأن فى القران زيادة نسك وهو إراقة دم الهدى.


(١) فتح القدير على الهداية وبهامشه العناية وحاشية سعد جلبى ج ٢ ص ٢٠٢ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ٤ ص ٢٥ وما بعدها الطبعة السابقة