للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإفراد والقران ولا يأمرهم إلا بالانتقال إلى الأفضل، فإنه من المحال أن ينقلهم من الأفضل إلى الأدنى، وهو الداعى إلى الخير الهادى إلى الأفضل، ثم أكد ذلك بتأسفه على فوات ذلك فى حقه، وأنه لا يقدر على انتقاله وحله لسوقه الهدى، وهذا ظاهر الدلالة.

الوجة الثالث: إن ما ذكرناه قول النبى صلى الله عليه وسلم وهم يحتجون بفعله، وعند التعارض يجب تقديم المقول لاحتمال اختصاصه بفعله دون غيره كنهيه عن الوصال مع فعله له ونكاحه بغير ولى ولا شهود مع قوله: «ولا نكاح إلا بولى».

فإن قيل: فقد قال أبو ذر رحمه الله تعالى:

كانت متعة الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة رواه مسلم.

قلنا: هذا قول صحابى يخالف الكتاب والسنة والإجماع وقول من هو خير منه وأعلم.

أما الكتاب فقوله تعالى: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ» (١).

وهذا عام. وأجمع المسلمون على إباحة التمتع فى جميع الأعصار. وإنما اختلفوا فى فضله.

وأما السنة فروى سعيد حدثنا هشيم أنبأنا حجاج عن عطاء بن جابر أن سراقة بن مالك سأل النبى صلى الله عليه وسلم: المتعة لنا خاصة أو هى للأبد؟ فقال: بل هى للأبد.

وفى لفظ‍ قال: ألعامنا أو للأبد؟ قال:

«لا بل لأبد الآبد» دخلت العمرة فى الحج إلى يوم القيامة.

وفى حديث جابر (٢) الذى رواه مسلم فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم نحو هذا.

ومعناه والله أعلم: أن أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتع ويرون العمرة فى أشهر الحج من أفجر الفجور، فبين النبى صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد شرع العمرة فى أشهر الحج وجوز المتعة إلى يوم القيامة، وقال طاوس: كان أهل الجاهلية يرون العمرة فى أشهر الحج أفجر الفجور، ويقولون: إذا انفسخ صفر وبرأ الدبر، وعفاه الأثر، حلت العمرة لمن اعتمر، فلما كان الإسلام أمر الناس أن يعتمروا فى أشهر الحج فدخلت العمرة فى أشهر الحج إلى يوم القيامة. رواه سعيد.

وقد خالف أبا ذر على وسعد (وابن عباس) وابن عمر وعمران بن حصين وسائر الصحابة وسائر المسلمين.

قال عمران: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفسخها شئ فقال فيها رجل برأيه ما شاء. متفق عليه.

وقال سعد بن أبى وقاص فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعنى المتعة، وهذا يومئذ كافر بالعرش يعنى الذى نهى عنها، والعرش بيوت مكة.


(١) الآية رقم ١٩٦ من سورة البقرة.
(٢) المرجع السابق لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه فى كتاب ج ٣ ص ٢٣٧، ص ٢٣٨ وما بعدها الطبعة السابقة.