الهرة أيضا لكن تركنا ذلك بالنص وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهرة ليست بنجسة انها من الطوافين عليكم والطوافات أشار الى العلة وهى كثرة البلوى لقربها من الناس وهذا لا يوجد فى السباع فأنها تكون فى المغارة لا تقرب من الناس اختيارا.
وأما سؤر الحمار فانه مشكوك فيه غير متيقن بطهارته ولا بنجاسته، فان ابن عمر رضى الله عنهما كان يقول: انه رجس فيتعارض قوله وقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الذى كان يقول: الحمار يعلف القت والتبن فسؤره طاهر. ولأن الأصل الذى أشار اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهرة موجود فى الحمار لأنه لا يخالط الناس لكنه دون ما فى الهرة فانه لا يدخل المضايق، فلوجود أصل البلوى لا نقول بنجاسته. ولكون البلوى فيه ضعيفة لا نقول بطهارته فيبقى مشكوكا فيه وأدلة الشرع أمارات لا يجوز أن تتعارض والحكم فيها الوقف.
وأما سؤر حشرات البيت كالفارة والحية ونحوهما فى القياس فنجس لأنها تشرب بلسانها ولسانها رطب من لعابها يتحلب من لحمها، ولحمها حرام، ولكنه استحسن فقال طاهر مكروه لأن البلوى التى وقعت الاشارة اليها فى الهرة موجودة هنا فانها تسكن البيوت، ولا يمكن أن تصان الأوانى عنها.
وأما سؤر سباع الطير كالبازى والصقر والشاهين والعقاب وما لا يؤكل لحمه من الطير فى القياس نجس لأن ما لا يؤكل لحمه من سباع الطير معتبر بما لا يؤكل لحمه من سباع الوحش ولكنا استحسنا فقلنا بأنه طاهر مكروه لأنها تشرب بمنقارها ومنقارها عظم جاف بخلاف سباع الوحش فانها تشرب بلسانها ولسانها رطب بلعابها.
ولأن فى سؤر سباع الطير تتحقق البلوى فانها تنقض من الهواء فلا يمكن صون الأوانى عنها خصوصا فى الصحارى بخلاف سباع الوحش وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال:
ما يقع على الجيف من سباع الطير فسؤره نجس لأن منقاره لا يخلو عن نجاسة عادة.
وأما سؤر السنور ففى كتاب الصلاة قال:
وان توضأ بغيره أحب الى، وفى الجامع الصغير قال: هو مكروه. وهو قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: لا بأس بسؤره لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصغى الاناء لهرة حتى تشرب ثم يتوضأ بالباقى.
ويدل لأبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى حديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: يغسل الأناء من ولوغ الهرة مرة. وهو اشارة الى الكراهة، وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الهرة سبع وهى من السباع التى لا يؤكل لحمها فهذا الحديث يدل على النجاسة وحديث عائشة رضى الله تعالى عنها يدل على الطهارة فأثبتنا حكم الكراهة عملا بهما جميعا وان مات فى الاناء ذباب أو عقرب أو غير ذلك مما ليس له دم سائل لم يفسده عندنا لحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا وقع الذباب فى اناء أحدكم فامقلوه ثم أمقلوه ثم أنقلوه فان فى أحد جناحيه سما وفى الآخر شفاء وانه ليقدم السم على الشفاء.
ومعلوم أن الذباب اذا مقل مرارا فى الطعام الحار يموت فلو كان مفسدا لما أمر بمقله وفى حديث سلمان الفارسى رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلّى الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما ليس له دم سائل اذا مات فى الاناء فهو الحلال أكله وشربه والوضوء به، لأن الحيوان اذا مات فانما يتنجس لما فيه من الدم المسفوح حتى لو ذكى فسال الدم منه كان طاهرا وهذا لأن المحرم هو الدم المسفوح قال الله تعالى: