للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى يكون بين البئر والبالوعة ما لم يغيّر طعما ولا ريحا.

وقال الحسن رحمه الله تعالى: ما لم يتغير لونه أو ريحه فلا بأس أن يتوضأ منها وذلك لأن الأصل فيه الطهارة فلا تزول بالشك وان أحب علم حقيقة ذلك فليطرح فى البئر النجسة نفطا.

فان وجد رائحته فى الماء علم وصوله اليه والا فلا. وان تغير الماء تغيرا يصلح أن يكون من النجاسة ولم يعلم له سببا آخر فهو نجس لأن الملاصقة سبب فيحال الحكم عليه وما عداه مشكوك فيه (١).

واذا مات فى الماء حيوان لا يعلم أهل ينجس بالموت أم لا؟ فالماء طاهر لأن الأصل طهارته والنجاسة مشكوك فيها فلا تزول عن اليقين بالشك وكذلك الحكم ان شرب منه حيوان يشك فى نجاسة سؤره وطهارته لما ذكرنا. والحيوان قسمان نجس وطاهر فالنجس نوعان:

أحدهما ما هو نجس رواية واحدة وهو الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فهذا نجس عينه وسؤره وجميع ما خرج منه روى ذلك عن عروة وهو مذهب الشافعى وأبى عبيد رضى الله تعالى عنهم وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فى السؤر خاصة.

واستدل الحنابلة فى ذلك بما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اذا ولغ الكلب فى اناء أحدكم فليغسله سبعا) متفق عليه.

ولمسلم (فليرقه ثم ليغسله سبع مرات) ولو كان سؤره طاهرا لم تجز اراقته ولا وجب غسله فان قيل انما وجب غسله تعبدا كما تغسل أعضاء الوضوء وتغسل اليد من نوم الليل. قلنا الأصل وجوب الغسل من النجاسة بدليل سائر الغسل ثم لو كان تعبدا لما أمر باراقة الماء ولما اختص الغسل بموضع الولوغ لعموم اللفظ‍ فى الاناء كله.

وأما غسل اليد من النوم فانما أمر به للاحتياط‍ لاحتمال أن تكون يده قد أصابتها نجاسة فيتنجس الماء ثم تنجس أعضاؤه به. وغسل أعضاء الوضوء شرع للوضاءة والنظافة ليكون العبد فى حال قيامه بين يدى الله تعالى على أحسن حال وأكملها ثم ان سلمنا ذلك فانما عهدنا التعبد فى غسل اليدين أما الآنية والثياب فانما يجب غسلها من النجاسات.

وقد روى فى لفظ‍ (طهور أناء أحدكم اذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا) أخرجه أبو داود ولا يكون الطهور الا فى محل الطهارة.

وقولهم ان الله تعالى أمر بأكل ما أمسكه الكلب قبل غسله قلنا الله تعالى أمر بأكله والنبى صلّى الله عليه وسلّم أمر بغسله فيعمل بأمرهما وان سلمنا أنه لا يجب غسله فلأنه يشق فعفى عنه وحديثهم قضية فى عين يحتمل أن الماء المسئول عنه كان كثيرا ولذلك قال فى موضع آخر حين سئل عن الماء وما ينوبه من السباع (اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) ولأن الماء لا ينجس الا بالتغير على رواية لنا وشربها من الماء لا يغيره فلم ينجسه ذلك (٢).

والنوع الثانى: ما اختلف فيه وهو سائر سباع البهائم الا السنور ومادونها فى الخلقة وكذلك جوارح الطير والحمار الأهلى والبغل فعن أحمد رحمه الله تعالى أن سؤرهما نجس اذا لم يجد غيره تيمم وتركه روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما انه كره سؤر الحمار وهو قول الحسن وابن سيرين والشعبى والأوزاعى وحماد واسحاق. وعن أحمد انه قال فى البغل


(١) المرجع السابق ج ١ ص ٤١ نفس الطبعة
(٢) المغنى للامام أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه ج ١ ص ٤١، ص ٤٢ فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للامام أحمد بن قدامه المقدسى الطبعة الأولى.