للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنوافل ما لم يخرج الوقت وان دام السيلان لما روى الامام أبو حنيفة رحمه الله تعالى باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة وهذا نص فى الباب ولأن العزيمة شغل جميع الوقت بالأداء شكرا للنعمة بالقدر الممكن واحراز للثواب على الكمال الا أنه جوز ترك شغل بعض الوقت بالأداء رخصة وتيسيرا فضلا من الله ورحمة تمكينا من استدراك الفائت بالقضاء والقيام بمصالح القوم وجعل ذلك شغلا لجميع الوقت حكما فصار وقت الأداء شرعا بمنزلة وقت الأداء فعلا ثم قيام الأداء مبق للطهارة فكذلك الوقت القائم مقامه (١).

وانما تبقى طهارة صاحب العذر فى الوقت اذا لم يحدث حدثا آخر أما اذا أحدث حدثا آخر فلا تبقى لأن الضرورة فى الدم السائل لا فى غيره فكان هو فى غيره كالصحيح قبل الوضوء وكذلك اذا توضأ للحدث أولا ثم سال الدم فعليه الوضوء لأن ذلك الوضوء لم يقع لدم العذر فكان عدما فى حقه وكذا اذا سال الدم من أحد منخريه فتوضأ ثم سال من المنخر الآخر فعليه الوضوء لأن هذا حدث جديد لم يكن موجودا وقت الطهارة فلم تقع الطهارة له فكان هو والبول والغائط‍ سواء فأما اذا سال منهما جميعا فتوضأ ثم انقطع أحدهما فهو على وضوء ما بقى الوقت لأن طهارته حصلت لهما جميعا والطهارة متى وقعت لعذر لا يضرها السيلان ما بقى الوقت فبقى هو صاحب عذر بالمنخر الآخر وعلى هذا حكم صاحب القروح اذا كان البعض سائلا ثم سال الآخر او كان الكل سائلا فانقطع السيلان عن البعض ثم اختلف أصحابنا فى طهارة المستحاضة أنها تنتقض عن خروج الوقت أم عند دخوله أم عند أيهما كان.

قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى:

تنتقض عند خروج الوقت لا غير وقال زفر رحمه الله تعالى: عند دخول الوقت لا غير، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: عند أيهما كان.

وثمرة هذا الاختلاف لا تظهر الا فى موضعين أحدهما: أن يوجد الخروج بلا دخول كما اذا توضأت فى وقت الفجر ثم طلعت الشمس فان طهارتها تنتقض عند أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد لوجود الخروج وعند زفر لا تنتقض لعدم الدخول.

والثانى: أن يوجد الدخول بلا خروج كما اذا توضأت قبل الزوال ثم زالت الشمس فان طهارتها لا تنتقض عند أبى حنيفة ومحمد لعدم الخروج.

وعند أبى يوسف وزفر تنتقض لوجود الدخول وجه قول زفر أن سقوط‍ اعتبار المنافى لمكان الضرورة ولا ضرورة قبل دخول الوقت فلا يسقط‍ وبه يحتج أبو يوسف فى جانب الدخول وفى جانب الخروج يقول كما لا ضرورة الى اسقاط‍ اعتبار المنافى قبل الدخول لا ضرورة اليه بعد الخروج فيظهر حكم المنافى.

ويدل لأبى حنيفة ومحمد ما ذكرنا من أن وقت الأداء شرعا أقيم مقام وقت الأداء فعلا لما بينا من المعنى (٢). هذا عن الحدث الحقيقى، أما الحدث الحكمى فنوعان أيضا أحدهما أن يوجد أمر يكون سببا لخروج النجس الحقيقى غالبا فيقام السبب مقام المسبب احتياطا والثانى أن لا يوجد شئ من ذلك لكنه جعل حدثا شرعا تعبدا محضا.

أما الأول فأنواع منها المباشرة الفاحشة وهو أن يباشر الرجل المرأة بشهوة وينتشر لها وليس بينهما ثوب ولم ير بللا فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يكون حدثا استحسانا والقياس أن لا يكون حدثا وهو قول محمد رحمه الله تعالى وهل تشترط‍ ملاقاة الفرجين وهى


(١) المرجع السابق ج ١ ص ٢٥ وما بعدها الى ص ٢٨ نفس الطبعة
(٢) المرجع السابق ج ١ ص ٢٨، ص ٢٩ نفس الطبعة