للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شئ منها غير لحمها فان كان يقع على بطونها أو رؤسها أو أرجلها أسم لحم عند العرب نقض أكلها الوضوء والا فلا، ولا ينقض الوضوء كل شئ مسته النار غير ذلك، وبهذا يقول أبو موسى الأشعرى وجابر بن سمرة رضى الله تعالى عنهم، وذلك لما روينا عن عبد الله ابن يوسف باسناده عن جابر بن سمرة قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلّم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ان شئت فتوضأ وان شئت فلا تتوضأ، قال: أأتوضأ من لحوم الابل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الابل. وأما الوضوء مما مست النار فانه قد صحت فى ايجاب الوضوء منه احاديث ثابتة من طريق عائشة وأم حبيبة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنهما، وأبى أيوب وأبى طلحة وأبى هريرة وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهم، لكنها نسخت بما حدثنا عبد الله بن ربيع باسناده عن محمد بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله قال (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) أما اكل لحوم الابل بنسيان أو بغير علم أنه من لحوم الابل فقد ذكرنا قول الله عز وجل «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ» فمن فعل شيئا من غير قصد مسواء ذلك وتركه الا أن يأتى نص فى ايجاب حكم النسيان فيوقف عنده (١).

وينتقض الوضوء كذلك مس الرجل المرأة والمرأة الرجل بأى عضو مس أحدهما الآخر اذا كان عمدا دون أن يحول بينهما ثوب أو غيره سواء كانت المرأة أمه أو ابنته وسواء كان الرجل الذى مسته المرأة ابنها أو أباها، صغيرا كان أو كبيرا بلذة أو بغير لذة فلا معنى للذة فى شئ من ذلك. برهان ذلك قول الله تبارك وتعالى «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ‍ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} (٢)» والملامسة فعل من فاعلين، وبيقين ندرى أن الرجال والنساء مخاطبون بهذه الآية لا خلاف بين أحد من الأمة فى هذا لأن أول الآية وآخرها عموم للجميع من الذين آمنوا فصح أن هذا الحكم لازم للرجال اذا لامسوا النساء وللنساء اذا لامسن الرجال ولم يخص الله تعالى امرأة من امرأة ولا لذة من غير لذة فتخصيص ذلك لا يجوز وهو قول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه.

فان كان المس على ثوب لم ينتقض الوضوء ولو كان للذة (٣). وايلاج الذكر فى الفرج يوجب الوضوء سواء كان معه انزال أو لم يكن برهان ذلك ما حدثنا عبد الله بن يوسف عن أبى أيوب الأنصارى عن أبى بن كعب رضى الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يصيب من المرأة ثم يكسل قال يغسل ما اصابه من المرأة ثم يتوضأ ويصلى (٤).

وينقض الوضوء كذلك حمل الميت فى نعش أو فى غيره فقد حدثنا عبد الله بن ربيع باسناده عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (من غسل ميتا فليغتسل ومن حملها فليتوضأ) قال أبو محمد:

يعنى الجنازة، وروينا مسندا الى حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى، عن محمد بن سيرين قال كنت مع عبد الله بن عتبة بن مسعود فى جنازة فلما جئنا المسجد فدخل عبد الله بهته يتوضأ ثم خرج الى المسجد فقال لى أما توضأت؟ قلت:

لا، فقال: كان عمر بن الخطاب ومن دونه من الخلفاء اذا صلى أحدهم على الجنازة ثم أراد أن يصلى المكتوبة توضأ حتى أن أحدهم كان يكون فى المسجد فيدعو بالطشت فيتوضأ فيها. قال أبو محمد: لا يجوز أن يكون وضوؤهم رضى الله تعالى عنهم لأن الصلاة على الجنازة حدث، ولا يجوز أن يظن بهم الا اتباع السنة التى ذكرنا والسنة تكفى (٥).


(١) المرجع السابق ج ١ ص ٢٤١ وما بعدها الى ص ٢٤٤ مسئلة رقم ١٦٤ نفس الطبعة
(٢) الآية رقم ٦ من سورة المائدة
(٣) المحلى لأبى محمد على بن حزم ج ١ ص ٢٤٤ وما بعدها الى ص ٢٤٩ مسئلة رقم ١٦٥ الطبعة السابقة
(٤) المرجع السابق ج ١ ص ٢٤٩، ص ٢٥٠ مسئلة رقم ١٦٦ نفس الطبعة
(٥) المرجع السابق ج ١ ص ٢٥٠، ص ٢٥١ مسئلة رقم ١٦٧ نفس الطبعة